"كورونا".. صديق البيئة عدو البشر!

 

 

شهاب بن حمد الشندودي

لا يختلف اثنان على أنَّ الوباء الفيروسي "كورونا" (كوفيد 19) تحوَّل لجائحة عالمية، وأصاب العصب الاقتصادي لأغلب دول العالم، وقبل ذلك أزهق الكثير من الأرواح، واستنزف الكوادر الطبية، بل وهدَّد بكارثة إنسانية فقدتْ حُكومات الدول معها السيطرة، إضافة لتهاوي أسعار النفط الناتجة عن الإغلاق العام والحجر الصحي، ومن المُؤكَّد أن هذه الجائحة أعادت النظر لكثير من صانعي القرار السياسي والاقتصادي حول العالم؛ نظرا لنتائجه السلبية الجسيمة التي هزت كُبريَات الدول،  لكن من زاوية أخرى كان لهذه الجائحة تأثيرات إيجابية على مناخ العالم الذي وصلت فيه مستويات الغازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الهواء إلى معدلات عالية جدا، ألقت بظلالها على طبيعة مناخ الأرض الذي بات واضحا فيه وبشكل جلي تأثيرات الأنشطة البشرية السلبية؛ حيث شهدنا في السنوات الأخيرة النداءات التحذيرية من علماء الطقس بشأن ذوبان جليد القطبين، واتساع رُقعة ثقب الأوزون في أقصى شمال الكرة الأرضية، وفي خضم هذا الخطر الداهم والمحدق بالأرض وسكانها، شاء الله أن تُبتلي البشرية بوباء فيروسي خفي ظاهره العذاب، وباطنه الرحمة، لتتوقف مع هذه الجائحة الخطيرة أغلب الأنشطة البشرية من مصانع ومعامل وحركة النقل البرية والبحرية والجوية عدة أشهر؛ مما أسهم في الحد من الملوثات الجوية في الغلاف الغازي، واستطاع النظام الحيوي للأرض تجديد نفسه.

وجاءت صور الأقمار الاصطناعية المُخصَّصة لرصد التغيرات المناخية والملوثات بالأخبار الرائعة؛ لعل أهمها: اختفاء ثقب الأوزون بسبب تقلص نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي كان يخنق الأرض، ويؤكد باحثون أنَّ جليد القارة المتجمدة الجنوبية توقف عن الذوبان في إشارة لبداية تعافي الكوكب، وبدأتْ البشرية تستنشق الهواء النقي الخالي من الملوثات، خصوصا في المدن الصناعية الكبرى، ويعكُف علماء باحثون في شؤون المناخ على دراسة هذه النتائج مع عوامل نشوء الأعاصير والعواصف المدارية في محيطات العالم؛ إذ يرجحون أنْ يكون لانخفاض نسبة الملوثات الجوية تأثير إيجابي في تقليل تكوُّن الأعاصير المدمرة التي باتت تتنامى سنة بعد أخرى، ولعلنا في السلطنة لاحظنا ذلك في السنوات الأخيرة، وكوننا مُسلمين نؤمن بأنَّ هذه الظواهر الكونية ما هي إلا آيات يخوِّف بها الله عباده حتى يتفكروا ويتدبروا في ملكوته، فستبقى هذه الجائحة تُعطِي الدروس والعِبَر للجنس البشري حتى يعيد التفكير في تقدمه وتحضره على حساب تدمير كوكبنا الأزرق الجميل.

تعليق عبر الفيس بوك