الفوضى تعم الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الملف الليبي

ترجمة- رنا عبدالحكيم

انتقدت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية آلية تعامل الاتحاد الأوروبي مع الملف الليبي، قائلة إنِّه حالة من الفوضى تسود دول التكتل الأوروبي، على الرغم مما أبداه من استجابة مثيرة للإعجاب فيما يتعلق بتفشي وباء كورونا.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها أنَّ الاتحاد الأوروبي أثبت أنه أقل جودة في اتباع سياسة خارجية وأمنية مُتماسكة وموحدة، خاصة فيما يتعلق بالصراعات على حدوده الشرقية والجنوبية، ومن الأمثلة المثيرة للقلق بشكل خاص الحرب الأهلية في ليبيا؛ حيث تتعرض جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستقرار لتشويش مخل بما يتسبب في تعقيد الأزمة.

ودخلت ليبيا في حالة من الاضطراب في عام 2011 عندما أطيح بالرئيس الراحل مُعمر القذافي، الذي ظل يحكم البلاد منذ عام 1969، ولقي القذافي حتفه في أعقاب انتفاضة شعبية تلقت دعمًا عسكرياً من حلف شمال الأطلسي "ناتو"، بمساعدة كل من بريطانيا وفرنسا، اللتان نفذتا هجمات الإسناد الجوي. ومنذ عام 2014، تشهد البلاد نزاعًا على السلطة بين حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، ومقرها في طرابلس، وقوات "الجيش الوطني الليبي" بقيادة اللواء خليفة حفتر، والتي تسيطر على شرق ليبيا. وكما هو الحال في سوريا، فإنَّ التدخلات العسكرية لقوى خارجية- لا سيما روسيا وتركيا- وفك الارتباط الأمريكي، تكشف حدود نفوذ الاتحاد الأوروبي على صراع محتدم على أعتاب القارة العجوز.

ويطلق على مبادرة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، التي تم الكشف عنها في 31 مارس، "عملية إيريني" وهي الكلمة اليونانية للسلام. وظاهرياً، يبدو أن الغرض من العملية فرض حظر على الأسلحة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما تم تجاهله عمليًا مع المقاتلين الليبيين ومن يزودونهم بالسلاح. وأوضحت الصحيفة في التقرير أن هذه المبادرة صممت بشكل سيئ وفشلت في إذابة الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي حول أولوياته في منطقة البحر المتوسط ​​وشمال إفريقيا.

وقالت الصحيفة إن عملية إيريني مهمة بحرية، قد تتعرض، عن غير قصد أو بدون خطر، لإيذاء جانب واحد في النزاع، وهي الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، وتتلقى أسلحتها عن طريق البحر، بشكل رئيسي من تركيا. وعلى النقيض من ذلك، يتم تزويد قوات اللواء حفتر جواً وبراً عبر الحدود الليبية المصرية. وبهذه الطريقة، قد تنتهي عملية الاتحاد الأوروبي بمُساعدة حفتر، المدعوم من روسيا ومصر والإمارات العربية المُتحدة، دون دعم الحكومة المؤيدة من الأمم المُتحدة ويدعمها الاتحاد الأوروبي رسميًا.

ومع ذلك، ليس سرا أن فرنسا، القوة العسكرية الرائدة في الاتحاد الأوروبي، أكثر تعاطفاً من شركائها مع اللواء حفتر، وتعتبره حليفًا محتملاً في حملتها للقضاء على المتطرفين في منطقة الساحل. وتميل قبرص واليونان أيضًا نحو دعم حفتر بسبب اتفاقية الحدود البحرية المثيرة للجدل بين تركيا وحكومة طرابلس، والتي قد تُعزز النفوذ التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وعملية إيريني تخاطر بإعادة إشعال النزاعات بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا اللاجئين والمهاجرين القادمين من شمال إفريقيا. وتضاءلت أعداد الوافدين إلى مستوى ضئيل منذ صيف عام 2017. ومع ذلك، تحتج بعض الحكومات، بقيادة النمسا والمجر، على أنَّ المهاجرين غير القانونيين يغامرون بقوارب المهربين بحثاً عن وسيلة لإنقاذهم ومن ثم نقلهم إلى الشواطئ الأوروبية. وقد وُجِّه هذا النقد إلى البعثات البحرية السابقة للاتحاد الأوروبي، لكنه غالبًا ما يهدف إلى إخفاء رفض بعض الحكومات قبول المزيد من تقاسم عبء المهاجرين واللاجئين. ومع ذلك، يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي مراجعة عملية إيريني كل 4 أشهر للتأكد من أنها لا تتخطى حدود التفويض الممنوح لها.

وتظهر التوترات المتصاعدة بشأن الهجرة، والتناقضات المتضمنة في سياسة حظر الأسلحة الليبية، إلى أي مدى يبعد الاتحاد الأوروبي عن آمال رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، لكي يصبح فاعلاً "جيوسياسياً"؛ فالمشاكل الرئيسية تتمثل في الاختلافات المستمرة في التوقعات بين حكومات الـ27 دولة، وتراجع قوة الاتحاد الأوروبي وثقافة استراتيجية بالكاد مرئية. ولا أحد يدعي أنَّه سيكون من السهل تسوية الحرب الأهلية في ليبيا، لكن ثمَّة تناقض صارخ بين استجابة الاتحاد الأوروبي الجريئة لوباء كورونا وسياسته الخارجية المشوشة.

تعليق عبر الفيس بوك