المال.. صعوبات إيجاده وسهولة إنفاقه

عبدالله بن علي النبري

أتوجَّه بتحية تقدير وثناء للمقام السامي لمولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على مُتابعته السامية لتطورات جائحة كورونا، والتدابير التي تتخذها الجهات الحكومية لمواجهة تأثيراتها على صحة المواطنين والمقيمين، وأوامر وتوجيهات جلالته -أعزه الله- في مُعالجة الأوضاع المالية نتيجة تراجع أسعار النفط وتأثيرات الجائحة على الاقتصاد، سائلين الله أنْ يُوفق جلالته في مُعالجة الأوضاع الاقتصادية والتأثيرات المالية، وأن تزول الجائحة وتعود الحياة لطبيعتها قريباً.

وبالبحث في الأوضاع الاقتصادية والتأثيرات المالية، نجد أنَّ مُسبِّباتها تنبعث من الأزمات السياسية والاقتصادية، الإقليمية والدولية التي يَصعُب التنبؤ بها والتحكُّم فيها، مُؤثِّرة سلبا على اقتصاد وإيراد ومدفوعات البلاد، يُضاف لذلك تأثيرات وأضرار الأنواء المناخية على البنية الأساسية والتصرفات التراكمية لكيفية إدارة المال العام؛ بما تشمله من تخصيص لمشاريع جهات وشركات حكومية، والتي يُقام العديد منها بنزعات فردية وإرادات وتصرفات شخصية، لا من أبعاد ومصالح حكومية، ودراسات وتراكم خبرات واحتياجات ضرورية؛ حيث نُلاحظ انتشار هذه المشاريع في أنحاء البلاد، مُقرِّبة المسافات بينها والمناطق بالأعداد والاختلاف والمسميات والتنوع من جانب، وبالمساحات والأحجام والمكونات والمواصفات وتكاليف البناء والتشغيل من جانب آخر، هذا خِلاف آليَّات النقل التي اشتُريت لنصل بأعدادها وتنوعها لتنال صفة التكدس باحترام، مدفوعة بغياب السؤال عن: ما هي هذه المشاريع، وبالتخصيص المفتوح لها من المال العام، ومشبعة بالاستخدام المباح وبالإنفاق والصرف، الذي خلَّى من -بل نحَّاها جانبا- الرقابة على كيفية وأغراض صرفه مستغلاً الفراغ الإداري واسع المجال وفادح الثمن؟!! وأمثلة تضاف بمساحات وأحجام وتشطيبات بعض مباني الوزارات الجديدة وبعض مباني المؤسسات والهيئات الحكومية، والتي تنافس في عظمتها وبجدارة فائقة مستويات فنادق السبع نجوم، وقد شيدت بهذا المستوى الراقي والعالي من المال العام؛ سواء تُوجَد حاجة وضرورة لها الآن أو ستُوجد بعد عشرات السنين عندما يكون الزمن قد أتى على عُمرها، ولا نعرف إن كانت لمكونات ملحة أو دسائس مكاتب استشارية، كما هي الحال الثابت في مباني الأجهزة التي ترك بعضها جانب المحافظة على البيئة، وأغلبها الآخر مُقام على أراضٍ شاسعة، وهنا تثبت وبجدارة الاستباحة المفتوحة وغير المُقيدة لاستخدامات المال العام، وهنا تُبرِز هذه الأمثلة وغيرها الحاجة الملحة للتعامل وبالصرامة الواجبة مع هذه التصرفات طليقة المرجع، ومعالجة آثارها الضارة على المال بصفة دائمة ودقيقة، ووضع نظم وقوانين جديدة لوقف خطر هذه التصرفات على المال العام مستقبلا.

والحاجة تدعُو كذلك لوضع خطط وبرامج لتوسيع وتنويع وتطوير الموارد المالية الحالية، من خلال إقامة مشاريع استثمارية تنوِّع مصادر الدخل وتزيد الإيرادات، وتأخذ بالأولويات والضرورات أساساً ومعياراً في الموافقة على المشاريع الحكومية والتنموية، وتحدد تخصيص المال العام وتقنن استخدامه والتحكم في إنفاقه، ومراقبة صرفه، وتقليل تكاليفه، وترشيد إنفاقه، ومراقبة صرفه بالقدر الذي يبني ويوسِّع دائرة الاعتماد على مصادر وموارد البلاد لخفض الدين العام القائم؛ بما يُفضِي لتصفيته والعمل على تحقيق التوازن مالي في المرحلة المقبلة بقوة وثقة وثبات القيادة الحكيمة، وبإرادة وعزيمة مولانا صاحب الجلالة.

وللدفع بالعمل الجاد والمنتج تجاه تحقيق فرص إقامة المشاريع الاستثمارية والاقتصادية: التجارية والصناعية والعمرانية والسياحية والزراعية والحيوانية والسمكية الجديدة، واستخدام المنتج المحلي، والاستيراد المباشر والتصدير، فإنه يستوجب على وزارة الإسكان أن تقود مع وزارات التجارة والصناعة والسياحة والزراعة والثروة السمكية والمالية والجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة مُجتمعة، جهود القيام بمراجعة شاملة للنظم والإجراءات الحالية لاستبدالها بنظم وإجراءات جديدة؛ وذلك فيما يتعلق ويرتبط بالتخصيص السريع للأراضي للمشاريع الإنتاجية وبإيجاد مسطحات من الأراضي في المناطق الساحلية (على غرار المناطق الصناعية) للمشاريع العمرانية والسياحية، ذلك أنَّ النظم والإجراءات الحالية قد طالها التعقيد وبطء التخصيص والتنفيذ.

وندعُو البنك المركزي العماني للقيام بمراجعة سائر النظم التي يعمل عليها، وتطويرها بما يحفز على الادخار بتحسين سعر الفائدة، ودعم قروض مشاريع الاستثمار بتخفيضها، وتسهيل إجراءات دخول رأس المال الأجنبي بما يضمن استقطابه، مُستفيدين من حالات انكشاف بنوك محلية في معاملات بأوجه تطوير مشاريع محلية، خلاف واقعها تغيير الحقائق وتصنع الوثائق لإخفاء الغرض الحقيقي لأموال القروض.

وللمصلحة ندعُو كذلك إلى قيام البنك بمراجعة موضوعية وراشدة لأساليب وأنماط التحليل والتقييم والتدقيق الذي يُجريه مفتشو البنك الأجانب على الحسابات التجارية في البنوك، والتي تدخل فيها النظم القائمة وأمان وظيفة المفتش عاملا مؤثرا في الأخذ أو عدم الأخذ بأوضاع ومؤثرات السوق في مضمون التقارير. وهنا تأتي ضرورة إحلالهم بعمانيين من ذوي الكفاءات من أجل فهم وإدراك أدق للأوضاع التي تحدثها المتغيرات والتأثيرات السياسية والاقتصادية: محليا وإقليميا ودوليا، على مستوى ونشاط السوق، ومدى تماشي نظم وآليات البنك المطبقة من رقابة وتحليل وتقييم وتدقيق يقوم به المفتشون في مقابل الاحتياجات الداعمة لنمو السوق، يدعمه لذلك الإدراك الواعي والمرونة الواجبة والفهم المتجدِّد للحالات والأوضاع والتأثيرات التي تَحدُث بغية الارتقاء بالعمل الجاد، خلاف التطبيق الملزم والفهم الثابت والتفسير الحرفي للنظم على حساب مناحي العمل.

تعليق عبر الفيس بوك