في مَهب الريح‎

أنيسة الهوتية

تذكرت مع العنوان رواية "ذهب مع الريح" للروائية مارغريت ميتشل التي بلغت شهرتها ونجاحها بروايتها الوحيدة تلك ما لم يصل إليه من الكتاب والروائيين قبلها أحد. ولفضولها بأحداث الحرب الأهلية الأمريكية التي عايشها أقاربها فقد كانت كثيرة الاستماع إلى قصصهم، وفي عمر الـ21 والتي كانت سناً متأخرة بالنسبة لتلك الحقبة بدأت مشوارها المهني كصحفية في جريدة أتلانتا الرسمية عام 1921م ولشغفها وعفويتها أحبها رئيس التحرير وتزوجها عام 1925م واعتزلت الصحافة والعمل.

لكنّها شعرت بفقدانها لذاتها في ذلك الزواج، وفقدت السعادة النفسية، وفجأة قررا الانفصال. وبعد فشل زواجها عانت الحزن والكآبة، وعالجت حالتها بالإدمان على الكِتابة. وعرضت مقالاتها على صحيفة محلية في أتلانتا مقابل مبلغ زهيد تستطيع العيش منه بوجبة واحدة يومياً، ومن ثم بدأت تكتب تلك الرواية بِحَبكِ وحياكة أحداثها مع الشخصيات التي شكلتها من ذاكرتها. وأصبحت كتابة تلك الرواية هو شغفها الوحيد في الحياة وعلاجها النفسي، وأنهته بإتقان وقناعة تامة بعد 10 سنوات.

ونترك حياتها الخاصة ثم نضع الضوء على مسارها العلمي الذي لم يتعد المرحلة الإبتدائية لأنّها كرهت مادة الرياضيات وللهرب منها تركت المدرسة، وسبب كرهها للمادة كان تعامل معلمة الرياضيات الخشن باستخدام الألفاظ السيئة والاستهزاء بها أمام زملائها.

وهنا نأخذ الزبدة والخلاصة، مسألتين جادتين تتفرعان من جذرٍ واحد، وتتعلقان بمستقبل الإنسان المهني الذي يبدأه بمساره العلمي من نعومة أظفاره لبناء أساسه بإتقان.

أولاً: كره مادة معينة من المنهج الدراسي لا يجب أن يضع التلميذ الصغير في موقف استنكار من أولياء الأمور والمعلمين فهذا أمر طبيعي، وإلا لما كان هناك مجالان دراسيان "العلمي والأدبي" ولما كانت هناك تخصصات هائلة في التعليم العالي بحسب الميول! ولنتذكر العباقرة والمخترعين والفنانين الذين لمعت أسماؤهم في التاريخ ولم يكملوا دراستهم! وكأولياء أمور مسؤوليتنا بذل المزيد من الجهد مع أبنائنا الذين يعانون هذه المتلازمة العلمية وخاصة رهاب الرياضيات.

ثانياً: تعامل المعلم الخشن، والقاسي، والاستهزائي مع التلميذ يسبب له كره المادة، وهروبا من المادة والمُدَرِس يتهرب من المدرسة حسب عقليته كطفل! ولأجل إصلاح هذه الأزمة المتكررة، على الجهات المسؤولة تقييم سلوكيات التلاميذ ورصد أعدادهم وبذلك سيتم تقييم المعلم، طالبان اثنان غير متقبلان للمعلم كافيان أن يضعاه تحت دائرة الرقابة وبإضافة الثالث يتم إنذاره، وإذا زاد العدد تسحب رخصة التعليم عنه.

وخلق الله المرأة أماً، ولكن للأسف تلك المواقف تتكرر من المدرسات بالأغلب، بتفوههن للمصطلحات والألفاظ غير اللائقة مثل "حمارة، بقرة، ثورة، أو زولي، غيبي، آلله ياخذش، كتلة غباء متنقل) وغيرها من الألفاظ التي تخدش الحياء ولا يليق ذكرها، بالإضافة إلى التعامل الوقح الذي ينمي رغبة التنمر والاحتقار لدى الطلبة الآخرين على الطالب "المبغوض".

وبسبب إنعدام الأمانة و"البارض" من بعض مقدمي رسالة التعليم، وأيضاً لإنشغال واتكالية أولياء الأمور، هناك قدرات ومواهب ومَلَكات مميزة تذهب في مهب الريح، وكأنها ورقة يابسة سقطت من شجرة! وفي الأصل هي بذرة صالحة إن أُخذت وزُرِعت في تربة مناسبة ستكون شجرة يستظل بها ويؤكل ثمرها.

وفي ظل الأجواء الحالية لكوفيد19 وحتى لا تتوقف عجلة التعليم فإن الدراسة عن بعد هي الحل الأفضل، ولربما ستكون فترة علاج لبعض الطلبة المتضررين بمساعدة أولياء الأمور، وذلك باستخراج الطاقات والملكات والقدرات المختبئة في شخصيات أبنائهم وصقلها، وأيضاً طرد الخوف والرهاب من قلوبهم وتقوية علاقاتهم بالمواد التي لطالما كرهوها بأساليب تعليمية جميلة تناسب طبيعة طينتهم اللينة القابلة للتشكيل.