عبيدلي العبيدلي
كذلك الأمر بالنسبة للسيئات، أو بالأحرى السلبيات، نجد أن البعض يعتبر التكنولوجيا هي الأكثر تحملا، إن لم تكن الوحيدة في حالات معينة، لمسؤولية تحول الإنسان، إراديا، إلى مستوى يقربه من العبودية في علاقاته مع تلك التكنولوجيات التي يستخدمها. يحدث ذلك عندما يصل إلى درجة الاعتماد الكلي عليها، والإحساس بعدم القدرة على الاستغناء عنها حتى عند الرغبة في الحصول على أبسط الاحتياجات.
المظهر الآخر لتلك السلبيات هو عندما يتحوّل الاستخدام إلى سلوك إدماني، ولا يقتصر مثل السلوك على الأطفال في تطبيقات الألعاب والمسابقات، بل نجدها متفشية حتى في صفوف الشباب، وفي حالات معينة تتجاوزهم إلى أجيال من هم أكبر سنا. بشكل عام، وكما يحذر البعض، يقود "الإفراط في الاتّكال على الكومبيوتر مثلًا، إلى خمول في العقل وفي الجسم على حدّ سواء، فلا يعود الإنسان يبذل أيّ جهد للحصول على معلومة ما كان بالأمس يجري الأبحاث في الكتب والمراجع المدوّنة للحصول عليها، كما أنّه يُصاب بترهّل الجسم والبدانة لمكوثه الطويل أمام تلك الآلة".
في السياق ذاته، هناك مجتهدون من أمثال الكاتب عماد المرزوقي، ممن لا يكفون عن الكتابة محذرين مغبة زيادة اعتماد الإنسان على التكنولوجيا حتى عند عوزه ممارسة حاجاته الأساسية، قائلا، "فكلما زاد استهلاك البعض لمنتجات التكنولوجيا زاد فقرهم المعرفي بأساسيات الحياة ومعانيها الأصيلة واقتربوا أكثر لكائن -الروبوت الاصطناعي- وكلما زاد تعاطيهم للتكنولوجيا زادت حدة المزاج لدى الكثيرين اليوم لأنّ التكنولوجيا مثل المخدر تصنع وهم اللذة وتكون ردة فعل فورية سرعان ما تتلاشى اذا بطل مفعول المخدر، ويصبح الإنسان بذلك عصبيا مدمنا. حتى إن ضحك وغضب البعض أصبحت وسائل التكنولوجيا-الخاصة بالترفيه- تتدخل فيهما لأنّ ملايين البشر نقلوا أجزاء كبيرة من حياتهم الشخصية إلى العالم الافتراضي الذي رحب بهم في البداية ثم سيطر عليهم وحبسهم في سجن من دون معالم للخروج منه".
لكن مثل تلك الاجتهادات، لم تستطع حتى يومنا الحالي، الصمود في وجه ذلك الإنتاج البشري الغزير المتحدث عن إيجابيات العلاقة بين الطرفين: الإنسان والتكنولوجيا.
وفي إنتاجنا العربي والمترجم، سلط العديد من ثمرات مراكز الأبحاث والترجمة، ومن بين الأبرز بينها "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت" الضوء على العلاقة التي نتحدث عنها، وهي "الإنسان والتكنولوجيا". من بينها، ولا نقول الأهم فيها، كتاب من تأليف: آر. إيه. بوكانان وترجمة: شوقي جلال، عنوانه "الآلة قوة وسلطة، التكنولوجيا والإنسان منذ القرن 17، حتى الوقت الحاضر". وكما جاء في ملخص "هذا الكتاب"، يعرف المجلس مادة الكتاب بأنها، "دراسة تاريخية اجتماعية لتطور التكنولوجيا في عالم الغرب، ويقدم مسحا كاشفا عن أثر التكنولوجيا في المجتمع منذ العام 1700 حتى وقتنا الراهن. إنّه يركز أساسا على تاريخ الغرب، وليس تاريخ البشرية بعامة في تطورها الحضاري... ولهذا يبدأ من عصر البخار، وكيف كان هذا العصر قوة دفع كبيرة لحركة مجتمعات الغرب. ويعرض التطورات الناجمة عن هذا في مجالات الزراعة والنقل والاتصالات والأسلحة والحرب، والتحولات في علاقات المجتمع المدني وفيما بين المجتمعات. ويوضح، قرين هذا، التطورات السياسية والتطورات في الفكر والقيم الأخلاقية، وكيف كان الإطار الفكري والقيمي وجها مكملا للتطور العلمي التكنولوجي. العلم والتكنولوجيا قوة حركة، وسلطة مجتمع، ومصدر قوة ثقافية أو سلاح هيمنة اجتماعية، وحافز تطور ارتقائي للمجتمع والإنسانية بعامة. ولكن يبقى سؤال ملح وأساسي: لأي هدف يتعين على الإنسانية أن تستخدم هذه القوة وصولا إليه؟ يؤكد الكتاب أنّ المعضلة الحقيقية الآن هي: كيف نوجه قوة التكنولوجيا لخير البشرية وليس لتدميرها؟"
لكن، دون الحاجة إلى الذهاب بعيدا، يمكن القول إن بحث الإنسان عن التكنولوجيا، ومحاولات تسخيرها لتحسين شروط حياته، وزيادة معدلات إنتاجه وتطويرها قديمة، ولربما الأكثر قدما بينها، كانت وما تزال، محاولات الإنسان، لاستخدام التكنولوجيا لتسخير قوة الطاقة عند ممارسة أعماله اليومية.
فعند بداية تكون المجتمعات البشرية، وعلى وجه الخصوص المستقرة منها، لم تكن قدرات الطاقة البشرية، حينها، تتجاوز في انجاز الأعمال تلك القوة الآنية التي تولدها عضلات الجسم، ولم يستطع الإنسان حتى منتصف القرن التاسع عشر تسخير أي من مكونات التكنولوجيا بما يتجاوز "تقنين" تلك الطاقة التي تولدها الرياح.
وحول هذا الموضوع بالذات، يسرد موقع "سطور"، الإلكتروني وقائع ترسم جزءا من أبرز محطات الرحلة التاريخية والشاقة في آن، التي تربط بين الإنسان والتكنولوجيا، في مجال الطاقة، "فبعدما كانت الطاقة المُستخدمة في الحياة العملية حتى القرن التاسع عشر مُقتصرة على الطاقة الحيوية من طاقة الرياح، والماء، ومحركات البخار التي كانت تُستعمل لأغراض صناعية مُحددة، تم تطوير طرق الحصول على الطاقة من المصادر الحيوية من حيث التصميم والفعالية على أيدي العديد من المهندسين والمخترعين، مما سرّع ثورة العجلة المائية والهوائية، ومهّد الطريق لظهور التوربينات المائية التي لا تزال فعالة حتى الوقت الحالي، كما تم تحسين طاحونة الهواء من خلال تحسين الأشرعة وتطوير المواد المصنوعة منها وشكلها الخارجي، وأصبحت المحركات البخارية أكثر تطورًا وتم استخدامها في مجال صناعة الأنسجة، ومناجم الفحم، ومطاحن الحبوب. وتواصل التطور بعدها ليتم تطوير المحركات واستخدامها في صناعة القطارات البخارية وتوليد الكهرباء من البخار، ومن ثمّ تمّ العمل على إيجاد طرق جديدة للحصول على الكهرباء، حيث أصبحت تُولد من المصادر الحيوية، والفحم، والغاز، والبترول، وتم تخزينها في بطاريات، ومن ثم تطورت التكنولوجيا وظهر مبدأ الجرّ الكهربائي، والذي تم من خلاله إيصال الكهرباء إلى المدن والقرى، وظهرت محركات الاحتراق الداخلي التي أدت إلى ثورة حقيقية في مجال الصناعة خصوصًا في مجال وسائل النقل".
هذا المثال، الذي ربما يكون فيه الكثير من التقزيم لحجم العلاقة الإيجابية بين التكنولوجيا والتطور الإنساني، هي التي قادتنا اليوم إلى "حضارة تكنولوجيا الآلات" المعالجات (بكسر اللام) الغاية في الصغر، لكنها المتعملقة عند قياس درجة الأداء.
وحول هذا الموضوع بالذات، يقول رضوان رستم، وهو أحد الرواد العرب من الفئة الشابة، ويدير مع مجموعة من الشباب موقعا إلكترونيا اسمه أصوات الشباب، http://www.archive.voicesofyouth.org/ar/users/238930 " إن الهاتف الذي تحمله اليوم بيدك هو أقل ثمناً، وأكثر تطوراً وقدرةً، من حاسوب المركبة أبولو 11 التي أوصلت الإنسان إلى القمر".