فلسفة القانون الجزائي في أزمة "كورونا"

فلسفة العقاب في ظل الأزمات عامل مهم في استقرار وأمن وسلامة المجتمع

قرارات "اللجنة العليا" صحيحة قانونيا وترتكز على ما تمر به البلاد من أوضاع استثنائية

 

بيان بنت علي المهري **

** قانونية وباحثة ماجستير

عند الحديث عن الأزمات فنحن نتحدث عن نقطة تحوّل كما أطلق عليها الإغريق في القرن السادس عشر، فترة تصحبها ظروف استثنائية وأحداث مفاجئة تؤثر بشكل أو بآخر على معظم القطاعات والمجالات المختلفة، حيث تعتبر مصدر تهديد واضح على مجرى الحياة الطبيعية. بالتالي فهي تأخذ نمطاً معيناً للتعايش والمضي قدماً من أجل تجاوز الأزمة بأقل الأضرار حتى تتلاشى ولو بشكل محدود في إقليم معين، وهذا هو الحاصل في الوقت الراهن حول جائحة كورونا "كوفيد-19".

فقد قامت معظم الدول بوضع آليات معينة في التعايش مع الوضع، بعضها قد نجحت نسبيًا في الحد من انتشاره، والبعض الآخر واجه ضغوطا وخرج الأمر عن زمام سيطرته، وأخرى ما زالت تُكافح. على ضوء ذلك يمكن للمتابع القانوني في عُمان رصد طرق وأساليب وفلسفة التعامل القانوني في تطبيق الإجراءات الجزائية على المخالفين للتعليمات الصادرة من قبل اللجنة العليا المكلفة بآلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار الفيروس. وعليه تأتي فلسفة العقاب مُعينة ومساعدة في التقليل من الآثار السلبية المصاحبة للأزمة، ويأخذ الشق الجزائي دوره بشكل مختلف عن المألوف بما يقتضي الوضع من حاجة واستثناء عن القواعد العامة.

وترتيبًا على ذلك، نجد بأنّ اللجنة العليا بالسلطنة قد تشكلت بناءً على الأوامر السامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لتتولى موضوع التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19" وفق المعطيات والإجراءات المتخذة بصدده، وكذلك وضع الحلول والتوصيات التي تساهم في حماية المجتمع من تفشي هذه الجائحة في البلاد.

وعلى ضوء ذلك أصدرت اللجنة يوم 18 مايو 2020 قرارها رقم (151/2020م) بتكليف شرطة عُمان السلطانية مراقبة التزام الأفراد والمنشآت، والمؤسسات العامة والخاصّة بالقرارات التي تصدرها اللجنة العليا وتفويضها مباشرةً بفرض الغرامات المالية والحبس الاحتياطي لجميع المخالفين لهذه القرارات. بينما في الأوضاع الطبيعية تتبع السلطنة منهجا متدرجا في فرض أي غرامات أو إجراءات جزائية، فالمختص بإصدار مذكرة الحبس الاحتياطي على سبيل المثال إمّا يكون صادرا من الادعاء العام أو المحكمة الجزائية المختصة وما دون ذلك يصبح هذا الإجراء باطلا بطلانًا مطلقًا لكونه يتعلق بالنظام العام وحرمة الأفراد وحرياتهم، إلا ما يتم استثناؤه بنص قانوني.

وكون أنّ البلاد تمر بأوضاع استثنائية جراء هذه الجائحة؛ فقد تمّ تفويض شرطة عمان السلطانية بشكل مباشر بفرض الغرامات والحبس الاحتياطي لمدة 48 ساعة. وعند الرغبة في تجديد هذه العقوبات يتم الرجوع إلى الادعاء العام. وبهذا يعد هذا الإجراء صحيحًا وقانونيًا ويرتب آثاره القانونية، ومن هنا تكمن فلسفة العقاب في ظل الأزمات؛ لأنّها تشكل عاملاً مهمًا في استقرار وأمن وسلامة المجتمع في عدم تفشي الفايروس بشكل متزايد. ومن دون أدنى شك فإنّ اللجنة قد وضعت في نصب عينيها صحة وسلامة المواطن والمقيم فوق كل اعتبار؛ لأنّ سلامتهم هي نتاج سلامة الوطن بأكمله. وعلى هذا الأساس تم فرض عقوبات جديدة لمن يخالف هذه التعليمات حول التجمعات وعدم ارتداء الكمامات في الأماكن المخصصة والتباعد الاجتماعي والمناسبات العامة، ومنحت الشرطة صلاحيات كاملة في القيام باللازم اتجاه المخالفين. إلا أنّ هذه الصلاحية محصورة على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"؛ فالغاية هنا هي حماية الأفراد والمجتمع عن طريق فرض عقوبات على المخالفين وإعطاء صلاحيات للشرطة والجهات المختصة.

وبغض النظر عن التفسيرات المختلفة في المناهج الفقهية للقوانين حول صرامة القوانين الجزائية بشكل عام، إلا أنّ بطبيعة الاستثنائية تستلزم هذه الصرامة لمن يخالف أو يشكل خطرا في الحفاظ على صحة المجتمع وحمايته من أي مكروه. فهذه المسؤولية الكبيرة جدًا تقع على عاتق الدولة ويتحمّل خسارتها الجميع بلا استثناء. وعليه يكون تنفيذ هذه العقوبات هي غاية القانون وثمرته في حماية الأفراد غير المدركين لخطورة الأمر والذين لا يبالون بالقواعد الطبية والمحظورات القانونية إلا بعد أن يقع عليهم مكروه –لا سمح الله- يجعلهم معتبرين من سوء الموقف وتفشي المرض لمن هم حولهم.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنّه يمكن إيجاز فلسفة العقوبات في ظل جائحة كورونا (كوفيد 19)- من وجهة نظرنا- في تشديد وإضافة عقوبات ومنح الشرطة الصلاحية في المباشرة واتخاذ اللازم، وذلك في شكل سلسلة مترابطة.

فهذه القرارات تتوافق مع المبادئ المتعلقة بالمصلحة العامة للمجتمع وحماية صحته وأمنه واستقراره. وعلى ضوئها يكون قرار فرض الغرامة أو الحبس له مصلحة خاصة متعلقة بالمتهم أو ظروف استيقافه عند مخالفة قرارات اللجنة، بشرط أن يكون ذلك وفقاً للشروط المتمثلة في إعمال نظام الملاءمة الذي يهدف إلى تقرير حالة المتهم من عدمها وفق معطيات الواقعة وتفاصيلها الدقيقة بناءً على القواعد المشروطة بدون انتهاك أو تعسف. مما يترتب على نظام الملاءمة تحقيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار على المجتمع في الأخذ بهذه الإجراءات تجاه المخالفين.

وختامًا.. إنّ فلسفة القانون الجزائي المتبعة في البلاد خلال ظروف جائحة كورونا (كوفيد-19) تراعي بالدرجة الأولى المصلحة العامة وحماية الفرد والمجتمع من نفسه، وبالذات من أولئك الذين ربما يتجاوزون الإرشادات الطبية الصحية والتعليمات القانونية الصادرة من قبل اللجنة العليا وشرطة عمان السلطانية. وعلى هذا الأساس نستنتج أنّ تشديد العقوبات وفرض الغرامات لغرض هذه المرحلة خلافاً واستثناء للقواعد والقوانين الجزائية في الحالات الطبيعية، لأنّ أفعال المخالفين تؤثر على استقرار وأمن المجتمع وتشكل أعباء مضاعفة على كاهل الأجهزة الصحية والأمنية؛ وبذلك تطلب الأمر الحرص والوقاية قبل أن تتزايد أعداد المصابين أو أولئك الذين ممكن أن يكونوا عرضة للإصابة جراء الاختلاط وعدم التباعد المجتمعي الذي تؤكد عليه تعليمات اللجنة العليا لمصلحة المواطن والمقيم.

وأخيرًا كل الشكر والتقدير للجهات الصحية والأمنية وكافة الأفراد والمؤسسات المساهمين في مواجهة هذه الجائحة ورفع الله عنا شر البلاء.. حفظ الله عمان وسلطانها وأهلها من كل مكروه.

تعليق عبر الفيس بوك