كورونيات (٣)

 

يوميات محجور

 

خالد الطويل

بعدما يتنفس الصباح، وتبدأ الشمس في إيقاظ العالم، أكون أنا قد بدأت أرتب تقاسيم يومي، بين عبادة وذكر وقراءة وتبادل الكثير من الأحاديث.

اصطحب ذاتي باكراً نحو مساحات التأمل؛ لأشبع خيالها المتعطش للنسائم العابرة، نبقى سويًا نتبادل أطراف الحديث، ونحن نحتسي رشفات من ذكرياتنا؛ فأنا وهي لم نجلس سوياً منذ زمن.

وفي أثناء ذلك تقفز أمام عيني فكرة الخروج من المنزل؛ فالكون الفسيح يطلب من نفسي الترجل عن عزلتها، والوضع أصبح آمنًا، وبالتأكيد أن كوفيد لم يستيقظ بعد. ليبدأ صراعي معها، بين الرغبة والخوف، وبين الالتزام بالعهد والخيانة حتى تسقط مغشياً عليها فلا شيء يستحق المغامرة.

 

سأمكث مهما كانت المُغريات فالصحة أهم، ولدي في البيت أحباب لا أود أن أكون سبب مرض أحدهم، أو فقدانه لا قدَّر الله بسبب نزوة عابرة.

فعلى غير العادة من يخرج من البيت قد يأتي مبتسمًا وهو يحمل معه الشر في أكياس الحلوى، وكمن يدس لأهله السم في العسل دون أن يدري.

ثم أبدأ في التجول في فضاءات الشبكة العنكبوتية أبحث لنفسي بين خيوطها عن زاوية تنهل منها علمًا، أو تسمع منها عبرة، أو تكتب فيها حكاية، مع التسكع قليلاً في ممرات التواصل الاجتماعي مدركاً أني إن أطلت المكوث فيها فسوف يخر الوقت صريعًا في جنباتها.

المساء يأتي حاملاً معه "بعضًا" من كتبي التي كم ناظرتني وهي على الرفوف دون أن أعيرها اهتماما؛ فالحياة كانت تركض بي مشرقاً ومغرباً، وقد حان الأوان؛ فالوقت فسيح والأحمال مُلقاة على الأرض والعدو يحوم في الخارج لأجد نفسي غارقاً في أحدها، مستمتعاً بحديثه رغم ما يحمل داخله من عتب الجفاء.

 

القلم هو "الآخر" يبحث عن نصيبه، والصفحات "ملت" لون البياض وتدعوني لأشد رحال الأحرف على الأسطر أكتب من خواطر النفس وحكايات الوجدان وأنا أنظر للحياة بعين التفاؤل بأنَّ الغد سيكون أجمل وسوف نصطحب أمانينا المؤجلة وأعمالنا المتوقفة إلى روح الحياة لننبض معها من جديد.

مهما بدا الأمر صعباً لكن في تفاصيله تمكث المتعة كما أنَّ الواجب الوطني والمسؤولية الأسرية تحتم علينا أن نبقى في المنزل مستمتعين بتفاصيل أيامنا ولكي لا نكون أحد أعواد الثقاب التي توصل اللهب للآخرين وإن لم نقف مع الوطن في محنته بأضعف الإيمان فمتى سوف نجسد وطنيتنا، إنها فرصة عظيمة لتجربة الصبر والتفاخر بأننا جزء من الإنجاز الذي سوف يتحقق وأننا كنّا درعا حصينا للوطن.

فالحرب سجال، ولا وجود لمتخاذل بيننا، جميعنا رفعنا شعار التحدي وسوف نمكث في البيوت حتى ننتصر.

في تفاصيل اليوم زوايا جميلة، ونقاط ملهمة قد تغير مفاهيمنا السابقة، وما يُدريك فبعد هذه الجائحة قد تتغير سلوكيات البشر؛ فنحن أمام منحنى يُتوقع أن يتغير العالم بعده كثيراً، ونحن سنكون جزءًا من هذا التغيير شئنا أم أبينا .

سنمكث كي نكتب بصبرنا قصائد "عشقٍ" في تراب الوطن، ولنسطر على جبين الزمان بأننا كيان مختلف؛ فنحن أبناء عمان، وأحفاد من مشطو شعر الأرض وجعلو جدائلها مُتدلية على كتف التاريخ.

سننتصر بحول الله وبعزم صغارنا قبل كبارنا، وبهمة الرجال والنساء، وسنرسم في صفحات التاريخ قلاع العزيمة وحصون التحدي - كما تعودنا - وسيكتب الزمن بأنَّ كوفيد قد انتحر على سور مسقط، وتكبَّد شر هزيمة في جبال ظفار وغرق في بحر مسندم.

عُمان أعطتنا الكثير، وهي اليوم تقول لنا: ابقوا في منازلكم لأجلكم، ونحن نقول: يا وطن المحبة سمعا وطاعة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك