الشوق إلى الحرية

 

 

مدرين المكتومية

 

لا أحد قادر على الإحساس بمشاعر الطير عندما يودع في قفص محبوسا وحيدا، ولا السجين حين يزج به خلف القضبان مظلوما، ولا حتى المريض الذي يظل طريح فراش أسرة المستشفيات، لا أحد يمكنه أن يشعر فعليا بما ينتاب أم اعتادت على أن ترى ابنها بجوارها وفجأة تفقده، لا يمكن لأي شخص أن يشعر بغيره إن لم يكن بالموقف نفسه، أو أن يعيش اللحظة، ففقدان الشيء هو ما يجعلك فعلا تشعر بقيمة ما كان بين يديك وتملكه.

هذا الحال مع فيروس كورونا، فمن اللحظة التي اجتاح العالم، ونحن نعيش تحت وطأة هذا الفيروس الذي سلب حرياتنا، وتركنا نفكر في كل الأشياء التي كانت بين أيدينا لكننا لم ندرك يوما أهميتها، فما أتعس أن يكون الشخص فينا غير قادر على أن يقوم بزيارة قصيرة لمريض يحبه، أو أن يقف بجانب صديق متألم، وما أصعب أن تكون غير قادر على أن تكون بين عائلتك، أو أن تأخذ أحدهم إلى حضنك لتعزيه في رحيل من يحب، كل شيء أصبح صعبا ومعقدا ومفروضًا علينا التقيد به.

الحريّة أن تعيش كما تريد، أن تذهب لكل مكان يستهويك البقاء فيه، أن تلتقي بكل من تحب، أن تتنفس الهواء بطريقتك، أن تختار الطريق الذي ستسلكه، أن تأكل في الأماكن التي تحب وبمشاركة من تحب، أن تستيقظ كل يوم وأنت مدرك ألا قيود على حريّتك، ولا أحد يفرض عليك طريقة معينة لتعايش بها، ومن بين الأمثلة البسيطة، مع فرض لبس "الكمام" والذي يأتي في مصلحة كل فرد في ظل هذه الجائحة، فإنني ارتديتها لمدة خمس دقائق وكان شعوري سيء، ولكن ما هو تذكري لمئات من الجيش الأبيض الذين يضطرون لارتدائها على مدار اليوم والتعامل مع الحالات المصابة بكورونا وبشكل مباشر فعلمت أنّ الحرية في زمن الكورونا لها حدود وهي كما يقول المثل "أنت حر ما لم تضر" وطالما أنّ عدم ارتداء الكمامة يمكن أن يتسبب في ضرر للآخرين فإنّ من قواعد حرية الآخرين أن تلتزم بارتداء الكمامة طالما كنت تتعامل مع الناس.

وأعلم أنّ الكثيرين بالفعل يشعرون بحالة من الضيق من ارتداء الكمامة ويربطونها بحرياتهم الشخصية ولكن إذا نظرنا من زاوية من ضرر ولا ضرار فيمكن لمن يستطيع المكوث في بيته وحده بعيدا عن الناس فلتكن عزلته تلك هي حدود حريته، على الرغم من أنني أكاد أجزم ألا شخص يمكنه أن يعيش لفترة طويلة في حدود ضيقة خاصة إن كانت حريّته تكمن في الحياة الاجتماعية والتجمّعات واللقاءات الدائمة.

لكن في المقابل هناك أناس يتنازلون عن حريّتهم في البقاء في البيت والبعد عن أي مصدر للمرض لأن واجبهم يحتم عليهم التواجد بين الناس، ومنهم الطاقم الطبي ورجال الشرطة والعاملون المضطرون للتواجد في أماكن عملهم، وكل من يسعى جاهدا أن يقوم بدوره على أكمل وجه في ظل هذه الجائحة العالمية.

إنني أوجه حديثي لكل فرد في المجتمع، أن يحافظ على نفسه وعلى أحبائه حتى تزول هذه الغمة، وتنكشف عنا، وعندها سيعود كل شيء إلى طبيعته، ربما بصورة مختلفة، لكن المؤكد أن الحياة لن تستمر هكذا، وأن الليل سيأتي بعده الصباح، سيعود الأحبة للقاءاتهم وأشواقهم، ستحتضن الأم أولادها مجددا، ويتعانق المحبون، وتعود التجمعات السعيدة المليئة بالبهجة والسرور، لكن علينا أن نصبر ونتخذ التدابير الاحتياطية في هذه الفترة العصيبة، فالمحنة ستزول، والبلاء سيُرفع، قريبا قريبا قريبا..