فاطمة الحارثية
"إنَّ الفكرَ الإنسانيَّ قد ينخدع أحيانا بالأضواء الزائفة عندما لا يستعمل فيها الانتباه الضروري، ولأنَّ هناك كثيرا من الأشياء لا يُمكن أن نعرفها إلا بطول الفحص الشاق" - أنطوان أرنولد
*****
عزيزي المتلقي ...،
ينغمسُ البعض في بيان أهمية دراسة التاريخ، ويأتون بشواهد مختلفة عن السلف، بل وتحرصُ الجهات المختلفة على العمل لتحفيظ الأطفال والكبار التاريخ، وما كان من حروب ومعارك، وحصل وأُغاروا، وقبيلة وجماعة وقاد....إلخ.
سقوط..
التاريخ جزءٌ من أمجاد غيرك وليس شيئًا تتباهى به، والمطلوب منك أن تتعلم منه لتحاول أن تأتي بفعل مثله أو أحسن منه، وأيضا أن تتعلم من الأخطاء لتردم زمن التعلم بالخطأ، لا أنْ تُكابر كسلًا وتهدر عمرك بالزهو بأمجاد أجدادك وأفعال غيرك؛ فالعزة كما وصفها الحجاج:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يُغنِك محمودُهُ عن النَّسب
إنَّ الفتى من يقول ها أنا ذا ... وليس الفتى من يقول كان أبي
*****
عزيزي المُتابع...،
أتى إليك محاطًا بأتباعه، منتصبَ الكتفين دار حولك، لتجد نفسك بينهما، يتبادلان الحوار عنك وكأنك نَكِرة، وإن حاولت الكلام لا يلتفت إليك أيًّا منهما، بل يستمران بالحديث عنك بكلِّ هدوء، وبعد صمتٍ طويل في دور الشبح، يلتفتان إليك ليؤكدا تنمرهما بصوتهما العالي أنَّ القرار كالآتي:
سوف وسوف وسوف، إن حاولت قول شيء شدد للآخر في تغيب آخر لك: "سوف أسحق كل من يعترض ويخالف الأمر"؛ ليرد صاحبه: "أعتقد أنه انتهى النقاش والحوار بيننا نحن الثلاثة، وكلٌّ أبدى رأيه وقال كل ما رغب بقوله، عليَّ المغادرة، فأنا مرتبط باجتماع آخر".
يُلقي كلمته الأخيرة وهو يُغادر مُنتصب الكتفين: "إنَّها اجتماعات مثمرة ومطلوبة من أجل تطوير القدرات وتحقيق الأهداف؛ لذلك سوف نكرِّرها بشكل منتظم".
سقوط..
للتنمُّر أنواع وهيئة، كتف بكتف، "لوبي" و"عُصبة"، وحال المغلوب على أمره الدوران تنقيبا عن حق أو الانهزام؛ فلا مؤسسة فيها عُصَب التنمُّر إلا وقد سقتها الإدارات العليا، وما من أسرة فيها تنمُّر إلا وقد باركتها العائلة، وما من مدرسة فيها تنمُّر إلا وقد أيدتها هيئات عُليا.
*****
عزيزي القارئ...،
خرج مع أصدقائه واجتمعوا في الهواء الطلق "البر"، يتسامرون بعيدا عن الأوامر والأمراض، سَعل أحدهم فانتفض القوم، ورموا بالأوراق في فزع، نشب مشاكسهم وأخذ يضحك عليهم، تخافون من "كورونا! الرجَّال غبار دخل أنفه"، يعُود اللعب، ثم يعود كلٌ إلى منزله بعد أن تنفس عن العزل.
سقوط..
نَعَم كانت مجرد ساعتين تنفيس، هواء طلق لم يحتج الأمر إلى تدابير سلامة، وكان لابد من أحدكم أن يمر ليجلب معه عدة الجلسة، بعدها بأسابيع معدودة... سقط جد وأبو المشاكس وأٌعلِن الحداد، بعدها سقط طفل الآخر وزوجة وأخت وأخٍ... استمرت الحال إلى أن انتهى بثلاثة أصدقاء بعد أن كُنتم أكثر من خمسة أصدقاء وعائلة كبيرة.
*****
عزيزي المجتهد...،
إنَّه العيد يطرق الأبواب، والصغار في حمى الملابس الجديدة والألعاب و"زهبة العيد"، بل وبعضهم في تخطيط كيف للعيدية أن تملأ جيوبهم، إنهم صِغَارنا، ومن حقِّهم أن يفرحوا وأن يعيشوا طفولتهم وسعادتهم البريئة، والخياط "ما شاء الله عليه" يجتهد في خياطة ملابس الأطفال حتى إنه ومن أجل أطفالك تبرع وخيط للأولاد دشاديش العيد رغم أنه خياط نسائي.. إنه العيد سوف نقسِّم فترة العرسية وفترة الشواء والمشكاك حتى لا نكون بأعداد كبيرة في مكان واحد من أجل سلامة الجميع.
سقوط..
بالفعل قد غسلتْ أم أحمد ملابس الصغار خوفا من أن تكون محمَّلة بالوباء، ربما كلام الناس صحيح، وقام أبو أحمد بمتابعة نظافة وتعقيم كل صغيرة وكبيرة، أتى العيد وأم أحمد في العناية المركزة والأطفال صغار لا خالة ولا عمة تتابع حالهم؛ فالكل لديهم صغار، ولا يمكن أن يخاطروا بأطفالهم ويختلطوا بأطفال أم أحمد، الزوج بين المستشفى وأطفاله وهو يسعل ويعطس، لم يُرد أن يُحزن أطفاله، ليضحي من أجل سعادة أيام معدودات ستعود بإذن الله بحياة أسرته.
كم عزاء قد نُقيم بسبب انصياع الآباء لثوب أو عيدية عيد.
-----------------------
جسر:
يقولون ما لا يفعلون، نمتلك الكثير من الأمور الإيجابية والمنجزات التي قامت على استقرار عُمان وأهلها دهرا طويلا جدًّا، لدينا قيمٌ ومبادئ نعتزُّ بها، وصروحٌ ثابتة نُكمل عليها مسيرة حضارتنا، ويجب أن لا نهدم فضل قوم قد بذلوا الغالي والنفيس من وقتهم، بل علينا أن نُكمل بعدهم ولا يكون ذلك بالتنقيص والتقليل من مجهودهم وسهرهم وشقائهم ليصل إلينا ما وصل. ربما لا تناسب البعض التكنولوجيا الحالية، وبدلًا من أن يواكبوا هم ويتمِّموا العمران نجدهم خلف الأسماء المستعارة أو أسوارهم ينتقدون ويُطالبون بإقالة فلان أو عزل فلان، وينادون بالجديد، وكأنَّ لحال الجديد أقدامًا أو عصى سحرية يُفعّل نفسه بنفسه.. "لا هدم من أجل بناء، بل إكمال التنمية والإنشاء".