يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
www.omaninvestgateway.com
على الرَّغم من توافر ممكنات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في بلد مثل سلطنة عُمان، يتسم بصغر حجم سكانه المتعلمين، وجاهزية بنيته الأساسية ومساحته الشاسعة الغنية بالموارد الطبيعية وتاريخه الاقتصادي والسياسي، وعلاقاته الدولية التي تمكنه من فتح أسواق واستجلاب رؤوس أموال وتكنولوجيا وكل ما قد يحتاجه من عناصر مفقودة في معادلة التنمية.
فإننا نجد أنَّ تعظيم الاستفادة من مكتسبات التنمية تواجهه العديد من الصعوبات، حيث يحتاج الأمر إلى إرادة ورغبة حقيقية في تغيير الأنماط والسلوكيات السائدة في المجتمع والتي اعتاد عليها الجميع وكرستها الوفرات النفطية، كما يتطلب أيضا فهما عميقا لنسيج ومقومات وتركيبة الاقتصاد العماني، وخصائص المجتمع، والتي من وجهة نظري هي نتاج لتفاعل ثلاث رباعيات مهمة لتحقيق التنمية.
أولها: أدوار الفاعلين والتي يجب أن تتغير في كل مرحلة من مراحل التنمية، وهم الفرد في المجتمع ودوره إذا كان إنتاجيًا او استهلاكيًا، والحكومة ودورها كحكومة تسيير أعمال أو ابتكارية ومنتجة، والقطاع الخاص إن كان إنتاجيا ومبادرا أم يتسم بالنزعة الاحتكارية ويعتمد على العمالة الوافدة متدنية المهارة ويقتات على فتات العطاءات الحكومية، وكذلك العلاقات مع العالم الخارجي ودورنا كمصدرين أم مستوردين، ومدى اطمئنان المستثمرين لآفاق الاقتصاد الوطني.
وثانيها: الفهم العميق للمتغيرات الاقتصادية الكلية المترابطة والمتشابكة بشكل يحتم على متخذ القرار مراعاة مختلف الأبعاد في فهم تركيبة الحسابات القومية ومكونات الناتج المحلي وتعزيز قطاعات ذات الميزة النسبية، وحصافة إدارة المالية العامة ومصادر تمويلها وأوجه وكفاءة إنفاقها، وكذلك فهم دور القطاع المالي والبنوك في حشد المدخرات من الأفراد إلى القطاعات الإنتاجية، يضاف إليه فهم ميزان المدفوعات وتعاملاتنا مع العالم الخارجي والتي تحدد هل نحن دولة منتجة ومصدرة أو دولة مستهلكة ومستوردة؟ وما هي أبعاد علاقاتنا مع العالم الخارجي؟
أما الرباعية الثالثة، والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها؛ فهي: علاج اختلالات عناصر الإنتاج الأربعة؛ والمتمثلة في: رأس المال وما يؤثر عليه من تغيرات اقتصادية منها أوضاع القطاع المالي والميزانية العامة، والاستثمار المحلي والأجنبي، وأنماط الاستهلاك والادخار، وسوق مسقط للأوراق المالية، وصناديق الاستثمار الخاصة والعامة، والتمويل ودور البنوك في التنمية الاقتصادية وغيره، وثانيًا: استغلال ما تزخر به الأرض العمانية من موارد وموقع جغرافي متميز؛ حيث درجة استغلال الموارد الطبيعية والبنية الأساسية المحلية ما بين (غير مستغلة - مستغلة بطريقة خاطئة - مستغله بشكل جزئي). وثالثاً: سوق العمل ممثلا بالموارد البشرية وثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر، والابتكار والمهارة، وأخيرا منظومة الإدارة الاقتصادية والريادة متمثلة بالمعرفة الشمولية للمتغيرات وقاطرات التنمية والقدرة على ربط مختلف عناصر الإنتاج ونقاط القوة والفرص والموارد المتاحة محليا ودوليا.
... إنَّ التنمية بمعناها الواسع هي حصيلة تفاعل هذه الرباعيات الثلاث والتي يتم إدارتها من خلال توليفة من السياسات العامة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، والتي ينبغي أن تتغير هي الأخرى بتغير الظروف والمعطيات، وعلى متخذي القرار الإلمام الكامل بهذه الرباعيات إذا ما خططوا وعملوا لتحقيق التنمية. وبالنظر إلى المعطيات آنفة الذكر، وإسقاطها على الأدبيات الاقتصادية، يمكن القول بأن السلطنة تعمل داخل منحنى إمكانيات الإنتاج، الأمر الذي يشير إلى أن جزءا كبيرا من عناصر الإنتاج لا يتم توظيفه بالشكل المثالي، وأن هناك ضعفا في معدل استغلال الموارد والقدرات، بمعنى أنه بذات الموارد المتاحة حاليا، بإمكان السلطنة العمل على حدود منحنى إمكانيات انتاجها، وهو ما ننادي به من حيث توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية.
إن ما قد يغفله العديد من منظري وصانع التنمية هو أن أستيعاب وفهم الثلاث رباعيات المشار إليها أعلاه أمر لا مناص منه لتحقيق ثلاث توازنات كبرى تضمن تحقيق التنمية: الأولى تتعلق بالعقد الاجتماعي والأدوار المنوطة بكل طرف من الأطراف الفاعلة في التنميه، والثانية ترتبط بتحقيق توازن لدورة الأنشطة التجارية في حياتنا اليومية: ماذا نعمل؟ من أين نكتسب دخولنا؟ وفيم ننفقها؟ والثالثة تهتم بالوصول إلى توازن الدورة الاقتصادية من خلال تطبيق سياسات عامة تتناسب مع السنوات السمان والعجاف التي يمر بها الاقتصاد. وأيا ما كان الأمر، فان الإجابة عن هذه الأسئلة البسيطة تحمل تفسيرا لوضعنا الاقتصادي الحالي في السلطنة، وهي نتاج التفاعل بين الرباعيات الثلاثة للتنمية؛ سواء الفاعلين وأدوات التنمية وهم أفراد المجتمع والحكومة وأفراد القطاع الخاص والتعاملات مع العالم الخارجي، فإذا كنا وفقا لتفاعلات هذه المعادلة منتجين في القطاع الخاص وكنا ريادين وننتج ونصدر؛ فهذا يعني أننا نزيد من قوة الاقتصاد العماني ونعضد حركة الأنشطة التجارية المحلية، في حين أن وضعنا كمستهلكين نعتمد على العمالة الوافدة ونصدر موادنا أولية وخامًا، ونعتمد على استيراد معظم احتياجاتنا من السلع والخدمات، فإننا من المؤكد نحتاج إلى تصويب دورة الأنشطة التجارية اليومية والتي هي في حقيقة الأمر تترجم في الدورة الاقتصادية في المديين المتوسط والطويل.
الحلول المنشودة هي بأيدينا وليست بيد الغير، وتصرفاتنا على المستوى الفردي واليومي هي التي تترجم دورة أنشطتنا التجارية؛ وبالتالي تترجم مسارنا الاقتصادي في المدى المتوسط والطويل، ومن ثم تترجم الأدوار الجديدة التي تستوجب على كل واحد منا؛ سواء كان موظفا في الحكومة أو موظفا في القطاع الخاص، أو صاحب أعمال، أو فردًا في المجتمع القيام بها في مرحلتي صناعة التحول وإدارته في المرحلة القادمة؛ ذلك أنَّ مُعادلة التنمية بسيطة ونجاحها في عمان في المتناول، ولكن تكمُن الصعوبة في فهم تركيبة المعادلة والقدرة على تحفيز المتغيرات الاقتصادية المختلفة المترابطة والمتشابكة. ويظلُّ الفرد المحرك الرئيسي لتروس رُباعيات التنمية المذكورة بما يملكه من معرفة ومهارات تتضافر في المنظومة التنموية للتعامل مع التحديات، وربط المقومات والموارد والفرص معا؛ لإيجاد منظومة تعمل من خلالها التروس الأربعة بديناميكية مناسبة في ظل الظروف والموارد.
القاعدة الذهبية في معادلة التنمية أنَّها لا تتأتى بأنصاف الحلول والفهم المنقوص لرباعيات التنمية الثلاثة المبسطة في هذا المقال. وقناعتي -والكثيرون معي- تامة بأن تحقيق التنمية العمانية غاية سهلة، لا من منظور شخصي أو عاطفي، ولكن من منظور علمي تجسده الحقائق ويردده خبراء التنمية الذين درسوا التجربة التنموية العمانية وتعرفوا على مقوماتها.