صحيفة فرنسية تكشف سبب قلة ضحايا كورونا في الخليج والشرق الأوسط

 

 

عواصم - الوكالات

قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن مجمل الوفيات بفيروس كورونا في الخليج والشرق الأوسط لم يتجاوز 1125 حالة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، رغم ما كان متوقعا من وفيات في هذه المنطقة القريبة من إيران، المصدر الرئيسي للعدوى بعد الصين.

وفي مقال مشترك بين أربعة من صحفييها، أبدت الصحيفة استغرابها لضآلة عدد الوفيات، وذلك مع قرب دول الخليج من إيران، وأوجه القصور الواضحة في الأنظمة الصحية في سوريا ولبنان والعراق، والديمغرافيا المترامية الأطراف في مصر، إضافة إلى انتشار المواقع التي تجمع بين الاكتظاظ والسكن غير الصحي، كما هي الحال في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين والعمال المهاجرين، ناهيك عن السجون التي غالبا ما تكون مليئة للغاية.

وفي مقارنة سريعة أظهر مقال الصحيفة أن قتلى حوادث الطرق في لبنان منذ 15 مارس/آذار الماضي أكثر من قتلى فيروس كورونا، (28 مقابل 26)، وأن عدد الوفيات بالمرض في فلسطين أقل بخمسين مرة من عددها في إسرائيل (4 مقابل 239).

وتابعت الصحيفة أن السعودية التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة، يساوي عدد من أودى الوباء بهم عدد من حصدهم في النرويج التي لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة (219 و217).

ولاحظ كتاب لوموند أن عدد الوفيات الذي كان متوقعا في الشرق الأوسط العربي وفي أفريقيا لم يقع، وعللوا ذلك بعوامل عديدة، مثل شباب السكان والتجربة السابقة مع الأوبئة وانخفاض معدل التلوث.

ورغم أن أسباب عدم تفجر هذه القنبلة غير معروفة، ولا توجد تفسيرات نهائية لها، فإن العامل الذي يتفق عليه الجميع تقريبا هو السرعة النسبية التي اتخذت بها السلطات في هذه الدول تدابير الحجر، إدراكا منها لهشاشة سكانها.

 

وأشارت الصحيفة إلى أن المثال الأكثر وضوحا كان السعودية التي أوقفت العمرة وأغلقت الحرمين في مكة والمدينة في 26 فبراير/شباط الماضي في وقت لم يثبت فيه وجود أي إصابة فيها، كما أنها أغلقت المؤسسات التعليمية في 2 مارس/آذار، قبل أسبوعين من إغلاق فرنسا لها، ثم وسع الإجراء في الأيام التي تلت ليشمل النوادي الليلية والمطاعم.

وفي الأردن الذي ظهر فيه 494 حالة إصابة وتسع وفيات، كان من الممكن أن يؤدي حفل زواج أصيب فيه عشرات الأشخاص بالعدوى، وحضره مئات من الضيوف في إربد يوم 13 مارس/آذار الماضي إلى انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد لولا قرار السلطات بعد أربعة أيام، بوضع البلاد تحت حظر تجول صارم، ساعد في كسر السلسلة الوبائية.

وفي دول الخليج -كما تقول الصحيفة- ساهمت القوة المالية لهذه الدول، إلى جانب سرعة رد الفعل، في تسهيل إجراء كم كبير من الفحوص، كما في الإمارات مثلا التي تجري ما بين 30 ألفا و40 ألف اختبار يوميا، مما يسهل اكتشاف المرضى وتعقبهم وعزلهم.

ورأى الكتاب أن تدابير الاحتواء هذه عززت فاعليتها خصائص لدى الدول العربية، منها شباب عموم السكان، علما أن الشباب أقل ميلا من غيره لتطوير شكل حاد من المرض، ومنها ضعف أو عدم وجود شبكات النقل العام كالقطارات والحافلات، مما يحد من اختلاط الناس، وأخيرا بقاء المسنين في هذه البلدان غالبا في منازلهم، لأنهم على العموم يعانون من أمراض مزمنة ولأن أنشطة المسنين نادرة.

ويعلق عالم الأنثروبولوجيا بجامعة روتجرز العراقي عمر الدواشي قائلا "إننا في النهاية لا نعرف هل الفيروس لم ينتشر إلا بشكل عديم الأعراض أو معتدل؟ أم أن المناعة الجماعية لم تتطور بسبب ارتفاع نسبة الشباب بين السكان؟".

وفي بعض البلدان، يرى الكتاب أن العوامل المحلية ربما تكون قد لعبت دورا مهما، ومثالا على ذلك تفتيت الجدار للضفة الغربية وحواجز الطرق العسكرية الإسرائيلية التي عادة ما تعوق حركة المرور، وبالتالي أبطأت انتشار الوباء هناك، كما يفسر الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث لم يتمكن سوى 2500 شخص من الدخول منذ بداية مارس، جزئيا انخفاض عدد المصابين في هذه المنطقة التي يعتقد أنها معرضة أكثر من اللازم لانتشار الفيروس، فلم يسجل فيها إلا عشرون حالة فقط في 7 مايو.

 

وتسري هذ الملاحظة نفسها -كما يقول الكتاب- على الأراضي المحصورة في شمال سوريا، وإدلب في الغرب، حيث لم يسجل مريض واحد في الوقت الحالي، وكذلك المنطقة الكردية في الشرق حيث سجلت ثلاث حالات فقط.

وأكد الكتاب أن السعودية استفادت من الخبرة المتراكمة في مكافحة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي يسببها نوع سابق من الفيروسات التاجية ينتشر على وجه الخصوص عن طريق الإبل، وقد قتل 871 شخصا عام 2012، نصفهم تقريبا في السعودية.

وباعتبار أن مصر تاريخيا، كانت دائما على مفترق طرق انتشار الأوبئة، فإن ذلك يجعلها دولة مجهزة تجهيزا جيدا للوقاية، يقول أيمن سباعي، مسؤول الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن "هذه هي نقطة القوة في نظام الرعاية الصحية المصري"، إضافة إلى وجودة ممرضات وعمال مجتمع يذهبون من باب إلى باب للتوعية بالوقاية.

ورغم هذه المسارات، لا تزال هناك العديد من علامات الاستفهام، فمثلا هل تقلل الحرارة والرطوبة من طول عمر الفيروس على الأسطح كما تقول بعض الدراسات؟ أم هل ساعد المعدل المرتفع للتطعيم في البلدان العربية على مقاومة السكان للفيروس؟

يقول عمر الدواشي "إن الأنثروبولوجيا الصحية تعترف بمفهوم علم الأحياء المحلي، حيث تظهر على المستوى الجيني اختلافات لدى السكان مرتبطة جزئيا بالتغذية والعوامل البيئية والثقافية".

ورغم ذلك، يرى الكتاب أنه يجب، قبل استخلاص النتائج انتظار نهاية الوباء في المنطقة، خاصة أن منحنى الإصابة اليومي في مصر ودول الخليج ما زال في طور النمو.

وختم الكتاب بأن اليمن الذي يعتبر مسرحا للأزمات الصحية المتعددة، قد لا يكون الوباء قد بدأ فيه أصلا، علما أنه لا يمكن الاعتماد على الأرقام القادمة من هناك، وبالتالي "ليست لدينا أدنى فكرة عن مدى انتشار الوباء في البلاد" كما يقول مصدر في منظمات إنسانية في صنعاء.

المصدر / الجزيرة

تعليق عبر الفيس بوك