مُعضلة سكنات العمالة الوافدة لم تُحل

 

 

عبدالله الخاطري

عِندما نتكلَّم عن موضوع سكنات العمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية للمواطنين؛ فلا بد من سرد تأريخ المشكلة، وأبعادها المختلفة، والآثار المترتبة الناتجة عن عدم حلها.

ولكِي أستطيع الخَوض في هذا الموضوع، ولو بشكل مختصر؛ فلا بد من الرجوع إلى ملفٍّ متكاملٍ لهذه المشكلة؛ كوننا في ولاية الرستاق قدَّمنا ملفًّا متكاملًا لجميع الجهات ذات العلاقة: المدنية منها والأمنية، ولعل هناك ملفات لنفس المشكلة في ولايات أخرى.

إنَّ المشكلة ليست وليدة اليوم، بل هي امتدادٌ لعقود من الزمن، إلا أنَّ أبعاد المشكلة وآثارها قد ظهرت وبشكل جلي وبارز، وبصورة متسارعة، خلال العشرين سنة الأخيرة، ولعلَّ البعديْن الثقافي والاقتصادي هما الأبرز، يليهما البعد الأمني.

إنَّ المشكلات العديدة الناجمة عن تسكين هذه العمالة وسط الأحياء السكنية لا يُمكن سردها في مقال ، ويكفي أن أشير إلى أنَّ الرجل يخشى على نفسه المرور في الطرقات القريبة من سكنات تلك العمالة، فما بالكم بالمرأة وطلاب وطالبات المدارس، ولعلَّ القريب من هذه المشكلة والمعايش لها -وإن كان في ولاية أخرى- يعلم ويعرف خُطورة تسكين العمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية للمواطنين.

إنَّ المواطنين -ومن خلال سعيهم الدؤوب لإبراز المشكلة؛ عن طريق تواصلهم مع الجهات المختصة- قد وضعوا الحلول، والتي كانتْ مُضمَّنة في نفس الملف؛ وهي نقل العمالة الوافدة إلى المنطقة الصناعية، أو بناء مجمعات ومدن عمالية متكاملة الخدمات أسوة بما هو معمول به في بعض دول الجوار، وبإيجار محدد معلوم؛ وبالتالي ستشكِّل هذه المدن العمالية رافدا ماليا لخزينة الدولة، كما أنَّ ذلك سيحُد من وجود العمالة السائبة والهاربة، كما ستكون هذه العمالة تحت رقابة الجهات المختصة.

إنَّ وباء "كورونا" قد كشف مقدار ودرجات التهاون من الجهات المختصة، وما مشكلة سكنات العمالة الوافدة إلا نموذجا حيًّا لهذا التهاون.

إنَّنا كمواطنين لم نستشعر الخطر فقط من هذه العمالة، بل عايشناه كواقع بيننا، ورحم الله تعالى الشاعر حين قال: "لا يؤلم الجرح إلا من به ألم".. لقد عبَّر المواطنون عن ألمهم بأسلوب حضاري وراق، وأبرزوا ألمهم وفق قنوات مشروعة، والذي تضمَّن ملفًّا متكاملا يحوي المراسلات والمخاطبات إلى الجهات المختصة، وأحكاما قضائية ضد العمالة الوافدة والقوانين والقرارات الإدارية ذات العلاقة، والردود الرسمية من بعض الجهات والتقارير الصحفية، كما ضُمِّن الملف الحلول المقترحة، كما لم يغفل المواطنون إبراز هذه المشكلة من خلال الحلقات الإذاعية والتقارير التليفزيونية والصحفية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

اليوم.. ظهرتْ أهمية الحلول المقدمة من المواطنين؛ فمع تفشي وباء "كورونا" أصبح من الصعب بمكان تتبع حركة هذه العمالة التي أصبحت تشكل هاجسًا صحيًّا خطيرًا على المجتمع، ولعل أعداد الإصابات الكبيرة والمتزايدة يوما بعد يوم بين العمالة الوافدة لخيرُ دليلٍ على هذا الخطر الجاثم على المجتمع.

لقد تمَّ تنظيم سكنات العمالة الوافدة بمحافظة مسقط بموجب الأمر المحلي رقم (23/‏‏92) في شأن تنظيم المباني بمسقط وتعديلاته؛ وذلك في الباب الثاني (الشروط المعمارية والفنية) المادة (31) البند (د) والتي نصت: (لا يُسمح بإقامة مجمعات أو مبانٍ لسكن العمال أو العزاب بالمناطق السكنية أو السكنية التجارية ولا يقبل أي تصميم معماري يوحي بذلك، كما لا يسمح بإقامة مبنى يجمع بين السكن العائلي وسكن العزاب).

كما لم تغفل وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه هذا التنظيم؛ فقد أصدرت -وفق ما جاء في القرار الوزاري رقم (48/2000) والخاص بإصدار لائحة تنظيم المباني- المادة (105) البند (د) والتي نصت على: (لا يُسمـح بإقامة مجمعات أو مبانٍ لسكن العمال أو العزاب بالمناطق السكنية أو السكنية التجارية، ولا يقبل أي تصميم معماري بذلك، كمـا لا يسمـح بإقامة مبنى يجمـع بين السكـن العـائلي وسكن العزاب).

وبالتالي؛ إذا كانت هذه المواد هي الحل لهذه المعضلة؛ فنحن إذن أمام مشكلة تنفيذية كون المواد القانونية واضحة وصريحة، وإذا كانت هذه المواد لا تعالج المشكلة وليست هناك مواد منظمة لهذه المشكلة فنحن أمام المعضلة الأكبر، بل المصيبة الكبرى، وهي إخفاق الجهات التشريعية في سن قانون يعالج هذه المشكلة.

إننا كمواطنون مدينون بالشيء الكثير لهذا الوطن المعطاء، ومن واجبنا إبراز المشكلة مع وضع الحلول المقترحة؛ لنكون عونا في بناء صرح الوطن الشامخ؛ لذلك فالوضع حرج جدًّا، وإلقاء اللوم اليوم على جهات معينة لن يحل المشكلة، ولكن نرجو مستقبلا أن تصغي الجهات المختصة لنداءات المواطنين، كما نرجو أن يتم -وبشكل عاجل- تدارك ما تم الإغفال عنه.

تعليق عبر الفيس بوك