استثمار يعزز الشراكة

عبدالله بن علي النبري

 

عمدت الحكومة، وبسخاء، خلال الحقبة الماضية من عمر النهضة المباركة التي قادها والدنا ومولانا السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- إلى تشجيع شركات القطاع الخاص، بأن أسندت إليها تنفيذ مشاريعها؛ إما بطرحها في مناقصات أو بالعطاء المباشر. وفي المقابل، اتسمت تكاليف تنفيذها بالارتفاع في الكثير منها، ويرجع ذلك إما لغياب البديل، أو انعدام المنافسة، أو نتيجة أسلوب اتخذته جهات حكومية في تنفيذ مشاريعها دونما نظرة متأنية للتكلفة العالية، أو اعتبارٍ واجبٍ للمال العام الذي أتفق بشرِّه منقطع النظير، والشواهد كثيرة ومتعددة تنتشر شامخة وبقوة ووضوح؛ بدءًا من مسقط وتمتد إلى معظم بقاع عماننا الحبيبة.

وقد أثبتت الفترة الماضية ولا تزال أن هذه الشركات التي أنشأت إما (بشراكة عمانية محدودة أو ضعيفة أو بشراكة أجنبية) قد عملت بشتى الوسائل والسبل للتقليل من إعطاء الفرص لشركات المواطنين لتنفيذ هذه المشاريع؛ مما أدى للتحكم في الأسعار ورفعها في أحيان كثيرة، محكمة السيطرة على السوق وعلى ما دونها من شركات دون أن يكون للجهات المعنية دور في الحد منها أو تحجيمها؛ ذلك أنَّ هذه الشركات تعمل على شبكة ومخزون من معلومات الأسعار تتبادلها فيما بينها، لتمسك بأدوار العطاءات أو تنافس إلى حد تقديم الرشا للحصول على المشروع.

وهنا.. يظهر لنا غياب البديل العماني القوي والمنافس كما في الشركات برأسمال عماني التي تكون للحكومة وصناديق التقاعد ورجال الأعمال العمانيين والمواطنين حصصٌ فيها، فتعمل على توظيف أسعارها بهامش ربح معقول إلى جانب تدوير المال في الداخل بدلا من خروجه وإنعاش الشركات العمانية الأخرى في سوق مواد البناء وغيرها، بدلا من الاستيراد المباشر وخروج الأموال من البلاد دون استفادة السوق أو أي من المصالح المحلية أو المواطن.

وفي محاولة للبناء على مقالنا الأخير في شأن نزيف وهدر المال العام، وضرورة اتخاذ إجراءات لصونه وترشيد إنفاقه؛ وذلك بإعطاء الفرصة للمواطنين للمشاركة في الاستثمار، فعليه نقترح -مستبشرين الخير في حكومة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه- أن تتكرم بإنشاء شركات مساهمة عمانية برأسمال تشترك فيه الحكومة وصناديق التقاعد ورجال الأعمال العمانيين بنسبة 50%، ويُساهم المواطنون بنسبة موازية، مع إعطاء الشركة الأولوية والأفضلية في مناقصات مشاريع الحكومة، مقترحين البدء بما يلي على سبيل المثال:

 

شركة سياحية

1- إنشاء شركة سياحية مساهمة باسم "العذيبة للتنمية والتطوير السياحي"، يُمكن أن تكون للحكومة حصة فيها، وتدخل صناديق التقاعد التي لها مبان أو أراض على شاطئ العذيبة مؤسسة فيها، ويُضم إليها صندوق تقاعد الخدمة المدنية، واستثمارات الهيئة العامة للتأمينات، كلها مجتمعة بنسبة 50%، ويُساهم فيها المواطنون بنسبة موازية من خلال الاكتتاب العام.

2- تخطيط منطقة شاطئ العذيبة الممتدة من ملعب الجولف وإلى الأراضي ما بعد آخر الأندية جنوبا كمنطقة سياحية.

3- تنظر الحكومة في بيع الأراضي المقام عليها مباني الأندية لصناديق التقاعد المعنية بها على أساس قيمة السوق، وتعوض الصناديق الحكومية بتكلفة مباني الأندية التي دفعتها من الخزانة العامة؛ على اعتبار أنها ستصبح للاستثمار.

4- تعالج الحكومة الأراضي المملوكة لأشخاص باسترجاعها أو بتعويضهم بأراضٍ أخرى عنها، أو بدخولهم شركاء في الشركة، وتبيع الحكومة الأراضي البيضاء الأخرى للشركة، أو بعقود انتفاع، أيهما أكثر عائدًا للحكومة.

5- تعمل الشركة على استثمار المنطقة كاملة بإنشاء منطقة سياحية متنوعة ومتكاملة (على مراحل) تجمع بين الفنادق والمنتجعات والألعاب المائية والمطاعم والتنزهات على الشاطئ، وفي كل نشاط ذي علاقة سياحية سيأتي بعائد اقتصادي على الشركة، ولتكن المنطقة السياحية الأولى.

من هنا، سيعوِّض إنشاء الشركة نزيفَ المال العام الذي حصل في إنشاء بعض المشروعات، وسيُوقِف نزيف تشغيلها وصيانتها، وسيرفد الخزانة العامة بأموال الرسوم والضرائب بصفة دائمة من خلال إنشاء هذا المشروع السياحي الكبير في مسقط.

وشركة أخرى أو أكثر لكسر هيمنة الشركات ذات النفوذ الأجنبي ولتقليل التكاليف على الحكومة، لا بد من إنشاء شركة مساهمة أو أكثر  تتولى العمل في المجالات التالية:

أ- استشارات المسح الجغرافي والتخطيط العمراني وتنفيذ المشاريع العمرانية.

ب- مشاريع الطاقات الكهربائية والشمسية والهوائية والمياه والتشغيل والصيانة.

ج- مشاريع إقامة المدن السياحية؛ مثال: مشاريع ميناء السلطان قابوس ويتي ورأس الحد، التي لم ترَ النور مع الشركات الأجنبية.

د- مشاريع إنشاء شبكات الطرق والجسور وصيانتها.

هـ- مشاريع إنشاء المطارات والموانئ وتشغيلها وصيانتها.

و- مشاريع إنشاء وصيانة وتشغيل مناطق تجميع النفط والغاز والحقول والأنابيب.

ز- لوجستيات التموين المتكامل لحقول وشركات النفط والغاز.

ح- إنشاء وصيانة مباني الحكومة والمشاريع السياحية الحكومية.

ط- إنشاء مشاريع القطاع الخاص.

ي- أية مشاريع أخرى يمكن إضافتها.

الشركتان مثال، ويُمكن إنشاء شركات مساهمة أخرى؛ مثال شركة تتولى:

* تصدير المنتجات الصناعية والمنتجات العمانية بتسويقها وترويجها وبيعها في السوق المحلي لتقليل استيراد ما يوازيها.

* الشحن واستيراد احتياجات البلاد والسوق المحلي من عموم المواد؛ ومنها: الإستهلاكية؛ للتقليل بل وقف استمرار الاعتماد على الإستيراد البري...وغير ذلك الكثير.

وفي جانب التمثيل ونظم الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارات والإشراف والرقابة والتدقيق والحوكمة في الشركات المقترحة، نرى:

- أن يكون للحكومة وصناديق التقاعد والمؤسسين خمسة ممثلين وللمواطنين المساهمين خمسة مؤهلين ومنتخبين لاختيار الأكثر كفاءة للقيام بالإنابة الفاعلة عنهم في إدارة الشركات ومجالس إداراتها.

- أن يكون لمجالس الإدارات مديرون منتدبون لدى الشركات؛ واحد يمثل الحكومة والصناديق والمؤسسين، وآخر يمثل المساهمين من المواطنين في كل شركة، ونظام يحدد واجباتهم ومسؤولياتهم وسلطاتهم وصلاحياتهم، ويحكم أعمالهم وتصرفاتهم، ليعملوا مع الإدارة التنفيذية، وليشاركوا في اتخاذ القرارات الإدارية والمالية فيها وفي تواقيع الصرف وغيرها.

- أن يكون للشركات نظام إداري ومالي يحدد ويحكم أعمالها، ونظام إشرافي ورقابي يحكم أعمال وتصرفات إداراتها التنفيذية.

- أن يكون لمجالس الإدارات نظام يحدد ويحكم أعمالها، ونظام إشرافي ورقابي يحكم الأعمال والتصرفات.

- أن يكون النظام المالي والرقابي ونظام الحوكمة مطبقا على الشركات ورئاساتها التنفيذية وإداراتها العليا، والمديرين المنتدبين؛ بحيث يحدد واجبات ومسؤوليات وسلطات وصلاحيات المديرين المنتدبين في إدارة الأمور المالية.

- أن تبنَى تكاليف الشركة على قواعد تكون محددة الأسس وقابلة للتدقيق والقياس، وعلى سلم رواتب ومخصصات محددة واقعية لا خيالية للإدارت التنفيذية والعليا؛ بحيث يكون مختلفا عن تلك السائدة في إدارات الشركات الحكومية الحالية وشركات القطاع الخاص، ويكون غير قابل للتغيير إلا بموافقة جميع أعضاء مجالس الإدارات.

- أن ترشح الرئاسة التنفيذية والمديرون المنتدبون ثلاثة مكاتب منفصلة لتدقيق حساباتها الفصلية والسنوية كلا على حدة، ولمجالس الإدارات الموافقة على أحد أفضل المكاتب المقترحة أو الرفض، ويتم تغيير المكاتب كل خمس سنوات كحد أقصى، لتحقيق الشفافية وإبعاد التلاعب وضمان المحاسبية في التدقيق وعلى المدققين كذلك.

تعليق عبر الفيس بوك