◄ 120 % متوسط نسب الدين العام إلى الناتج المحلي بالاقتصادات المتقدمة في 2021
◄ خبير مالي: "النظرية النقدية الحديثة" تدعو لطباعة الأموال لجمع النفقات
ترجمة - رنا عبدالحكيم
طرحتْ صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية سؤالًا حول مدى استطاعة الحكومات تحمل الديون المتراكمة، والناتجة عن جهودها لتحقيق الاستقرار في الاقتصادات، في ظل حزم الطوارئ التي تُعلنها الحكومات بين الحين والآخر لإنقاذ الاقتصاد من التداعيات العنيفة لفيروس كورونا.
وقال ستيفاني كيلتون أستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة ستوني بروك الأمريكية، إن جائحة "كوفيد 19" أجبرت الحكومات في جميع أنحاء العالم على إنفاق مبالغ كبيرة في محاولة لتحقيق الاستقرار في اقتصاداتها. وأضاف أنَّه وحتى الآن اختفت المخاوف بشأن كيفية "الدفع مقابل" كل شيء، وبدلاً من ذلك تشهد الاقتصادات مستويات من الإنفاق شبيه بمعدلات الإنفاق في زمن الحرب، ودفع العجز -والدين العام- إلى مستويات قياسية جديدة.
ومن المتوقع أن تختتم كلٌّ من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا العام بمستويات من الدين العام تزيد على 100% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يتوقع بنك جولدمان ساكس أن ترتفع نسبة الديون الإيطالية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 160%. وفي اليابان، التزم رئيس الوزراء شينزو آبي بحوالي 1 تريليون دولار من الإنفاق الجديد على العجز لحماية اقتصاد البلاد المقدر بنحو 5 تريليونات دولار، وهي خطوة ستدفع نسبة الدين الياباني إلى أعلى بكثير من الرقم القياسي البالغ 237%. ومع انهيار الناتج المحلي الإجمالي على نطاق عالمي، ستهرب القليل من البلدان. ففي الاقتصادات المتقدمة، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لأعلى من 120% في عام 2021.
وفي حين أن معظم الدول ترى أن العجز الكبير "ثمن يُستحق دفعه" لمكافحة الأزمة، فإنَّ اقتصادات أخرى قلقة بشأن تراكم الديون في "عالم ما بعد كورونا". ويخشى البعض من أن المستثمرين سيشعرون بالخوف من إقراض الحكومات التي تعاني من ضائقة مالية؛ مما يجبر البلدين على الاقتراض بأسعار فائدة أعلى. ويشعر البعض الآخر بالقلق من أن الحكومات ستحتاج إلى فرض تقشف مؤلم خلال السنوات المقبلة، مما يتطلب من القطاع الخاص "شد الحزام" لسداد الدين العام.
ومن الممكن أن يتسبب الدين العام في مشاكل وفق ظروف معينة، لكنه لا يشكل أي خطر متأصل على الحكومات المصدرة للعملة، مثل الولايات المتحدة أو اليابان أو المملكة المتحدة. وذلك لأن هناك 3 أسباب وراء ذلك؛ أولاً: لا تحتاج الحكومة المُصدِرة للعملة إلى اقتراض عملتها الخاصة على الإطلاق. ثانيًا: يمكنها دائمًا تحديد سعر الفائدة على السندات التي تختار بيعها. ثالثاً: تساعد السندات الحكومية على دعم الموارد المالية للقطاع الخاص.
من جهته، يرد إدوارد تشانسلور وهو خبير ومؤرخ مالي على سؤال: كيف يمكن دفع تكاليف مكافحة الجائحة؟ ويقول: يمكن تغطية جميع نفقات الدولة، ببساطة، عن طريق طباعة النقود، مشيرا إلى أن هذا ما تدعيه "النظرية النقدية الحديثة".
ويرى تشانسلور أن الإغلاقات لحظة مواتية لتطبيق تلك النظرية؛ فخلال الأزمات، يكون لدى الجمهور طلب غير عادي على الاحتفاظ بالنقد، وهنا يبدو أن تسييل الدين مشكلة أقل، لكن يمكن للحكومات طباعة الأموال لتغطية تكاليفها فقط طالما احتفظ الجمهور بالثقة في العملة، وعندما تمر الأزمة، يجب سحب كل الأموال الزائدة.
ويدَّعي أنصار "النظرية النقدية الحديثة" أن هذا لا ينبغي أن يمثل مشكلة اقتصادية، لكنهم يعترفون بعد ذلك بأن من يطبق هذه النظرية لن ينجو من مشكلات التضخم، علاوة على عدم القدرة على قياس الطاقة الفائضة للاقتصاد بدقة، وهذا يعني أنه من غير المرجح أن ترفع الحكومات الضرائب في الوقت المناسب للقضاء على التضخم في مهده. وأضاف الخبير المالي أنه يمكن دائمًا إصدار السندات لسحب الأموال من التدوال المحلي، لكن بمجرد أن يبدأ التضخم، سيطلب حاملو السندات عائدات أعلى. وبين أنه من منظور مالي، فمن المنطقي إصدار سندات الدين الحكومي عندما تكون معدلات طباعة النقود منخفضة كما هي اليوم، ومن ثم دفع معدلات أعلى في وقت لاحق.
وأوضح تشانسلور أنه لم يحدث تضخم تاريخي كبير بسبب الزيادات النقدية، لكن كان ذلك ناجما عن صدمات العرض، كما يقول دعاة النظرية النقدية الحديثة. ومن المحتمل أن يتحول الفيروس التاجي إلى واحدة من تلك الصدمات، لكن التاريخ يشكك في محاولات تفسير التضخم من خلال عوامل غير نقدية.
وأشار الخبير المالي إلى أنَّ الحكومات عادة ما تتعامل مع مستويات من التضخم، خاصة في ظل ظروف غير مواتية مثل الحروب والثورات، ويمكن اعتبار الإغلاق الناتج عن "كوفيد 19" ظرف آخر غير مناسب يتسبب في التضخم.
ويختتم بالقول إنَّ التضخم المستقبلي سينجم عن جهود حل بعض المشكلات المالية التي تعاني منها الاقتصادات حاليا، لكن أيضا ستنخفض مستويات الديون وسيتم التخفيف من عدم المساواة في الثروة عالميا.