عُمان.. طرق جديدة للتقدُّم

"وزارة ريادة الأعمال"

المكرم أحمد بن عبدالله الحسني

عُماننا بخير مادام شبابها في خير، مستقرين في مصادر رزقهم ومعيشتهم، مُطمئنين لحياتهم، ومُمكّنين لمستقبلهم نحو تحقيق آمالهم وتطلعاتهم، وما عرفت عُمان أبناءها وبناتها وعرفهم العالم إلا مُحبين للعمل والسعي الجاد للرزق، بل وحب الابتكار والإجادة في المواهب والمهارات، والقدرة على التنافس والتميز، وأصقاع كثيرة من الأرض التي مشى العُمانيون في مناكبها تشهد لهم بذلك.

وأمام الجهود والمحاولات والتجارب الوطنية الكثيرة التي بُذلت لاستيعاب الشباب بشتى الوسائل والمجالات في القطاع العام، بشقيه المدني والأمني والعسكري، وفي القطاع الخاص ومؤسساته الصغيرة والمتوسطة، وبرامج رواد الأعمال، وحاضنات المشاريع الطلابية والشبابية والمنزلية، وفرص التدريب المقرونة بالتشغيل، كلها أسهمت -ولله الحمد- بما أسهمت به من حلول، بعضها حالفه النجاح وأخرى تعثرت، إلا أنَّ التحديات التي تواجه هذا الجانب الإستراتيجي لا تزال كبيرة، ولم تصل الدولة بعد لنقطة التوازن والأمان التي تضمن مساراً واضحاً لهذا الملف ذي الأولوية الوطنية بالغ الأهمية والتحكُّم في مضاعفاته، غير أنَّه والحمدلله كان من بَشائر الخير ويُمن الحرص والاهتمام، ما تفضل به مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي الثاني بتاريخ 23 فبراير 2020م؛ حيث حاز الشباب نسبة كبيرة من مضامين الخطاب، وتأكيد العزم بعون الله القدير على تطوير إطار وطني شامل للتشغيل؛ لاعتباره ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني، وما أعقب ذلك من توجيهات سامية لمجلس الوزراء الموقر بتاريخ 3 مارس 2020 بإنشاء صندوق الأمان الوظيفي وتمويله بمبلغ عشرة ملايين ريال عماني من لدن جلالته كبداية لتأسيسة، والتأكيد على جهود تحفيز بيئة الأعمال، وتشجيع الشباب للالتحاق بها؛ استشعاراً من جلالته -أيَّده الله- بأنَّ أمور أبنائه الشباب وشؤونهم تتطلَّب الإسراع في الجهد والعمل، ولا تحتمل التردُّد والانتظار.

وبنظرة تحليلية متواضعة، فإنَّ أحدَ أهم الأسباب لاستمرار المصاعب التي تُواجه الجهات المختصة في مجال تمكين الشباب في الأعمال، وتُعيق تكامل جهودها، هو تعدُّد وتشتُّت الهياكل والمسؤوليات المتعلقة بهذا المجال؛ فهناك الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة)، وصندوق "إنماء" التابع لها، وصندوق الرفد كمؤسسة أخرى، وصندوق تنمية مشروعات الشباب "شراكة"، والصندوق الوطني للتدريب كمؤسسة أخرى مستقلة، والمركز الوطني للتشغيل الذي آلت إليه اختصاصات الهيئة العامة لسجل القوى العاملة، وانتقال كلِّ ما يتعلق بعمل المركز من اختصاصات وزارة القوى العاملة، كما توجد برامج ومبادرات وصناديق تخصصية تقنية وغيرها مرتبطة بهذا المجال في جهات أخرى، وجميعها لها نظامها المالي والإداري وإطارها القانوني، وكلها تَبذل جهوداً وطنية كبيرة ومُقدَّرة في سبيل تمكين الشباب واستيعابهم في سوق العمل.

غير أنَّ مُعطيات المرحله تُبرهِن على أنَّ عُمان تحتاج إلى وزارة اقتصادية جديدة متخصصة في هذا الجانب المهم جدًّا لمستقبل شبابها ولاقتصادها الوطني هي "وزارة ريادة الأعمال"، تجمع كل هذه المؤسسات والصناديق والبرامج والمبادرات المتوزعة حالياً تحت مظلتها كوزارة واحدة متكاملة، تستمدُّ اطلاعها وتشريعاتها ورسم سياساتها وخططها الفاعلة من خلال عضويتها المباشرة في مجلس الوزراء الموقر، وتُمد الوزارة بالكفاءات الوطنية والخبرات المتمكنة في مجالات تخصص ريادة الأعمال واقتصاد سوق العمل؛ بحيث يتم دمج الصناديق المعنيه في كيان مالي واستثماري واحد كذراع قوي يُحدث فارقاً جوهريًّا في تنفيذ السياسة الوطنية لتمكين رواد الأعمال من أبناء وبنات هذا الوطن الكريم. ويكون المركز الوطني للتشغيل الذراع التنفيذي الثاني للوزارة في مسار فرص الاستيعاب بالقطاعات العامة والخاصة المتوفرة في الدولة، وجعل الصندوق الوطني للتدريب ذراعاً ثالثاً تحت مظلة وإشراف الوزارة المقترحة يخدم ويدعم خطط وبرامج شقيقيه الذراعين السابقين.

عِندها فقط ستصنَع عُمان لنفسها نموذجاً في المنطقه، وطريقاً حيويًّا جديداً وواضحاً للتقدم في هذا الملف الوطني المستمر والمتنامي، وتطور وتصحح أدواتها وحلولها نحو هدف تحويل المواطن إلى مستثمر حقيقي وليس إلى موظف في قطاع عام أو خاص فحسب، أو بقائه باحثاً عن عمل معلقاً لسنوات بانتظار الفرج، وتركيز كل الجهود والأموال والسياسات وتضافرها وتكاملها إداريًّا وقانونيًّا وفنيًّا في معين واحد.

... إنَّ هذا التركيز على قطاع ريادة الأعمال يتوافق تمامًا مع التوجُّه المعلن بشأن إحلال القوى العاملة الوطنية المدربة والمؤهلة محلَّ الوافدين في الشركات الحكوميه وغيرها وفق جداول زمنية محددة، وبهذا التكامل -كما قال الشهم العماني التاريخي المهلب بن أبي صفرة لأبنائه السبعة- "تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسُّرا، وإذا افترقن تكسرت آحادا".

فهدفُ الاستفادة من طاقات الشباب وتنمية قدراتهم خصوصاً الاقتصادية، وتعزيز جودة حياتهم وإسهامهم بكل فاعليه في مسيرة العمل الوطني بمختلف القطاعات، يُمثل واجبا وطنيا يتعدَّى الفهم السطحي العام بالتسكين في وظائف عابرة أو مؤقتة.

ختاماً.. وفَّق الله عمان سلطاناً وشعباً، وكما هو في النداء السامي لجلالته؛ حفظه الله كل يدٍ تبني عُمان لها من جلالته كل التقدير والامتنان.

تعليق عبر الفيس بوك