لم يكن مثاليا

حسن بن علي العميري

@HassanAlOmairi

كان في أكثر أحواله حَسَنَ الظن بمن حوله، يحمل تقصيرهم فيه على ما هو أحسن من الإحسان إليه، ويستلذ وجدان المنقبة فيما يتجاهله الناس أو يجدون فيه المثلبة، وينصرف بلسانه ووجهه إلى كظم الغيظ وإظهار البشاشة كأن مرآته لا ينعكس فيها من كل شيء إلا أحسنه.

لم يكن مثاليا، فقد كان يعاتب على ما لا يُرضيه، وربما أسرع إليه سوء الظن ببعض الناس، وقد يقول من الكلمات -في مجلسه، وبين خاصته- ما لو تكلمت الكلمة منهن لقالت: "دعني"!!
ولكنه كان حتى في عتابه وسوء ظنه مثالا للإنسان المحب، فما عاتب وأطال، وما لام وانتهى إلى السخط الذي يصعب أو يتعذر معه الرضا، وفي الحالين كانت تفوح من عتبه ولومه روائح المحبة والمودة الصافية..
وكذلك كان في سوء ظنه؛ فإنه لم يكن لِيَكْذِب أو ليُفْحِش في القول أو لِيَصْدُر عن غِلٍّ وضغينة؛ وإنما كان قصاراه أن يأتي بالأمر كما يتصوره، دون زيادة، ثم لا يبخل على من كان موضعا لسوء ظنه هذا أن يختم كلامه عنه بقفلة مثل هذه: (الله يهديه)!

وقد حدثني بعض من كان موضعا لإحسان ظنه دائما؛ فقال: لطالما هداني حُسْنُ ظنه إلى صراط مستقيم، فقد قال لي مرة، وقد تأخرتُ عليه: "لعلك كنت تقرأ القرآن"، ولم أكن كذلك، فكأنه نبهني من غفلة؛ وقال غير مرة: "أنت تعلم أكثر مما أعلم"، ولم يكن لديَّ من العلم فيما يقول شيئا مذكورا، فكأنه دفعني إلى التعلم؛ وكان يقول لي كلما التقينا بعد غياب طويل: "وجهك مشرق.. ما شاء الله"، يشير إلى ما قد يكون من أثر صالحات الأعمال، بينما كنت مقصرا أشد التقصير في أمور كثيرة، فكأنه كان يدفعني لأن أتدارك نفسي بما هو أنفع لي في الدارين..

إن حُسْنَ الظن عبادةٌ ودواء؛ قليل من يتعبد بها في زمن مَرِنَتْ  فيه ألسنة الناس وأفئدتهم على قول السوء وسوء الظن، وقليل من يستشفي بها في زمن كثُرَت فيه أمراض العقول والقلوب.

تعليق عبر الفيس بوك