"إحلال" على رقعة الشطرنج!

 

إبراهيم بن سالم الهادي

أقتبس عنوان هذا المقال -بتصرُّف- من كِتَاب المؤلف العالمي وليم جاي كار "أحجار على رقعة الشطرنج"؛ إذ إن المتقن لقوانين وخطط هذه اللعبة هو الأقرب لفهم ما ستبوح به هذه السطور.

فقبل أن نُخرج القِطَع من مَخدعها، ونبدأ رصَّها الواحدة تلو الأخرى، على تلك الرقعة "متساوية اللونين"، علينا معرفة الجو العام المحيط بأجواء اللعب، مشهد ضبابي يقود ناحية منحدر اقتصادي مقلق للغاية، بتداعيات سلبية ليس "كورونا" وحده السبب فيها، وإنما هو مجرد القشة التي قصمت ظهر تراكمات أفضتْ بنا إلى الواقع الحالي. فلنركز هنا على ثلاث نقاط أساسية من هذه التراكمات.

أولا: مستوى العجز المالي الآخذ في التنامي من عام لآخر، ومن موازنة لأخرى، وصل في تقديرات العام 2020 إلى 3.5 مليار ريال، ومحاولات تغطيته بسبل شتى منها مثالا وليس حصرا الاقتراض في ظل إفصاحات عن أرقام تحويلات مالية للخارج، تقوم بها العمالة الوافدة حوالي 4 مليارات ريال عماني سنويا!

4 مليارات تهاجر سنويا خارج حدود الوطن، مقابل تنامي أعداد العمانيين الباحثين عن عمل، وهم باحثون ربما صرفت وتصرف الحكومة على تعليمهم ما يربو على الـ2 مليار ريال سنويا تقريبا، أضف إليها برامج تأهيل وتدريب مصروفاتها في حدود 27.3 مليون ريال عماني، ليحصلوا في الأخير على مسمى "باحثين عن عمل"، لنُخرِج القطع الآن، ونبدأ بتحريك قطعة "البيدق" في رحلة الوصول للفوز.

جانب آخر من الجو العام: المباراة هذه المرة لم تعد تعتمد بشكل كلي على الذكاء وحده، أو الروتين في تنفيذ الخطط، فالمجتمع اليوم أصبح واعيا بما فيه الكفاية، والطموحات الوطنية المنصوص عليها في "رؤية 2040" تفرض تكتيكا مختلفا، وعملا دؤوبا، مغلفا بدهاء وخيال إداري ومالي واسع، ووضع خارطة طريق تجابه التحديات وتتجنب العواقب وردود الفعل المحتملة.

وبالتالي إذا أردنا وضع النقاط على الحروف، فلنفكر في القطع المطلوب نقلها بعد كل مرحلة يتم تنفيذها.. هل الفيل، الحصان، القلعة، الحذر يفرض نفسه هنا واستخدام الحكمة واجب إذاً... لنبدأ الآن بوضع خطة الفوز، خطة خارج الصندوق، لا تفكر بالحلول السريعة أو المعلبة (الاقتراض مقابل خفض العجز)، لنضع خطة لتقليص هذه الـ4 مليارات ريال المهاجرة، خطة أشبه بـ"خطة نابليون"، تعتمد على تحركات الحصانين (اليمين واليسار)، عبر إحلال حقيقي للعُمانيين، بما يفوت الفرصة من ناحية على خروج كل هذه المليارات من البلد وضمان بقائها داخل الوطن وبالتالي تزيد القيمة المحلية المضافة، وبالمقابل سيتمكن المواطن العماني من الحصول على وظيفة فتقل أعداد القوى الوطنية الباحثة.. ولعل نظام البنك المركزي في ضبط هذا الصدد نموذج يستحق الإشادة والتعميم.

فالبنك المركزي لا يوافق على توظيف أي أجنبي في أي بنك محلي إلا إذا استنفد وجود تخصص يمتلكه مواطن عماني، فأي بنك محلي لا يستطيع توظيف أجنبي إلا بموافقة البنك المركزي أولا، وفقا لشروط التعمين التي وضعها البنك، ولذلك حقق القطاع المصرفي تعمينا حقيقيا ومردودا جيدا، وهذا النظام لو استخدمه المركز الوطني للتشغيل لحقق أهدافه المرجوة، كأن يعمل مسحا شاملا في القطاعين العام والخاص للمؤسسات التي تتكدس بها العمالة الوافدة الإدارية -غير الماهرة- ويتجاوز راتب العامل فيها 400 ريال عماني - وما أكثرها- لوجد أنّ العدد قد يصل إلى عشرات الآلاف، خاصة في القطاع الخاص يعملون بأقل كفاءة من عمانيين باحثين عن عمل، هؤلاء إلى جانب ما يستنزفونه من ميزانية الدولة في تحويل الأموال إلى الخارج، فإنّهم يمثلونا عبئا على الجانب الاجتماعي؛ وبذلك فإنّ العائد من إحلال عُمانيين مكانهم سيكون مضاعفا، تحقق فيه الحكومة مكسبا ماديا يصل إلى ملياري ريال عماني بشكل سنوي على الأقل، إذا ما تمّ احتسابه بالطريقة الاكتوارية. ومن جانب آخر، فإنّها تستطيع استثمار هذه المبالغ في السلطنة بفتح مشاريع ذات عائد مالي. وقد يساعد في ذلك تعمين وظائف المديرين التنفيذيين ونوابهم ومديري العموم ونوابهم ومن في حكمهم، فالقوى الوطنية أصبحت مؤهلة بما فيه الكفاية، بل أضحت أفضل من الوافدين بكثير.

فلو افترضنا تخفيض عدد مليون وافد من العاملين بالسلطنة، فمعنى ذلك خلو البنايات الكبيرة من المستأجرين؛ ووقتها يمكن تحويل هذه البنايات إلى فنادق بغرف وشقق فندقية بأسعار مغرية تستقطب السواح من خارج السلطنة، وبالتالي يتحول استخدامها من تأجير تقليدي محدود إلى مصدر دخل مضاعف عصري يسهم في تنشيط السياحة ودعم الاقتصاد وتحقيق التنويع، ومن ثم تقليل مستوى العجز.. حسبة بسيطة، وخطة ميسورة، نتائجها مضمونة إذا ما وضعت لها الخطط الجادة، وللحديث بقية.