فاطمة الحارثية
بالأمس القريب، تعالت أصوات النساء في تدافع لملء أطباق المساجد والجيران: فلانة ضعي اللقيمات لجارتنا وضعي المكبوس لأم فلان، لا تسنوا تنظيف أطباقهم جيداً قبل إعادتها، انتبهي لا تزيدي الملح على أكل بيت فلان فالجدة تحب الطبق وعندها ضغط، أين ذلك الولد هل أوصل لبن المسجد؟ فلان لا تنسى أن تأخذ معك طبق العشاء لساحة الإفطار...
ثم، نفترش الأرض ليسعنا المكان، سفرة طويلة تمتد لثلاثة أمتار وأكثر، يلتف أطفال العائلة عند الزاوية اليسرى، وينسل الصغار منهم في تزاحم للجلوس بالقرب من أمهاتهم، حول مأدبة الإفطار وقبل الآذان بقليل يبدأ السيناريو التالي:
- أنا صمت اليوم
- ليس صحيحاً رأيتك في المطبخ وفمك ممتلئا (الأخ الأكبر)
- أمي قولي لهم إني صمت
- عمتي هل صام اليوم كامل (ابنة العم)
- إنه طفل شاطر صام صيام العصافير (الأم)
ليضج المكان بعد تصريح الأم بالضحك، حتى يأتي صوت الجد أو الأب "هش نريد سماع الأذان"....
كل طفل يتشدَّق عند صاحبه بأنه صام صيام العصافير إلى ساعة الظهر والبطل منهم من بلغ وقت العصر، ليستمر الضحك على محياهم التي تتلون كلما دققت الخالة أو الأخت الكبرى على الساعة التي فطر فيها أو شرب فيها الماء أو تذوق صحناً من الرز، ليستعين البعض منهم بأمهاتهم ليؤكدن أنه صام أيضاً وإن كان صيام الصغار فله حق المفطر من امتيازات ودعاء.
نعم كان هذا في رمضان الأمس، فبأي حال سيكون رمضان اليوم فالتباعد الاجتماعي أصبح واجبًا إنسانياً قبل أن يكون وطنيا، يصعب علينا كثيرا أن نخبر الأطفال أنهم لن يستطيعوا أن يُفطروا مع جدهم أو جدتهم أو الذهاب إلى بيت عمهم للإفطار أو زيارة عمتهم للعشاء، ولن يلعبوا مع أبناء خالاتهم أو.. ، لن يسمعوا عبق صلاة التراويح في أركان الحارة أو يهرعوا مع آبائهم لإدراك صلاة المغرب بعد لقيمات بسيطة لفض الصوم، إننا إلى الآن لم نستطع أن نُقنعهم لماذا لم نشتر ملابس العيد حتى هذا الوقت ولماذا لم نتبادل هدايا رمضان، في أي حال عدت يا رمضان!
جسر...
كل عام شهر من الزمن، ثلاثين يومًا ومن خلال أكثر من 1400 عام أي 14 قرناً يأتينا رمضان الخير ليعود علينا الشهر الفضيل بكرم روحانيته رحمة للعالمين هذا العام مختلف، التفاؤل لنا نحن الكبار، أما الأطفال وكبار السن فهم أكثر واقعية، ويُترجمون الأحداث بقدر الواقع الملموس بعيدا عن خيال الأمل.
يعود علينا رمضان هذا العام بحلة جديدة غريبة علينا، تُعلمنا الصبر والكظم، تُعلمنا أن النعم ليست دائمة لمن لا يشكر، وليست خالدة إلا بعد الحساب.