أنتِ القلعة الأولى والأخيرة يا مسقط

علي بن سالم كفيتان

إلى عاصمتنا الجميلة مسقط التي رسمها قابوس بأجمل ريشة في الوجود إنها ريشة المحبة ففي كل شارع وضاحية وزقاق يمر به طوال حياته يوجه بأن تكون عاصمة البلاد وحاضرة السلطنة أنموذجا للتعايش الواقعي بين الإنسان ومدينته الهادئة بعيدا عن الضوضاء البصرية التي استحدثها البعض فظلت مسقط مريحة لعين الناظر بألوانها البيضاء الناصعة المتسقة مع صفاء روح الإنسان ومحبته للسلام فلم يمل ذلك الرسام الماهر رحمه الله من تجديد لوحته طوال خمسين عامًا حتى أضحت لنا تحفة أسماها العامرة أحبتنا وأحببناها رغم البعد المكاني أحياناً فالقادم إليها يحس بأنه ولج إلى مملكة السلطان البديعة فأصبحت مقصدنا الذي نهفوا إليه من كل أرجاء الوطن وربطت بيننا مناسبات عظيمة وأيام خالدة كخلود ذلك الرسام المبدع الذي لم يهمل أي زاوية في منحوتته النادرة.

كم آلمنا أنك تحت الحجر الصحي وأن أبوابك باتت مغلقة للمرة الأولى أمامنا منذ خمسين عاماً عندما قدم إليك ذلك الشاب كث اللحية دقيق الملامح جميل المحيا من أرض الجنوب وفتح أبوابك للعالم وجعل منك قِبلةً للسلام... ومن ذكرياتنا معك يا مسقط حضور حفل الشاي بقصر العلم مع جلالته في عصر يوم مهيب حيث يلتقي الأب القائد رحمه الله بأبنائه المتفوقين في ساحة قصر العلم العامر لايمكنني وصف الشعور ولكنه كان عظيمًا بما يكفي ليبقى في خلد كل من شارك في تلك المناسبات فكانت تلك هي مطالعتي الأولى لعاصمتنا الجميلة من على أبواب قصر السلطان وظلت الصورة كما هي في نظري إلى اليوم.

يا مسقط العامرة .. ويا منحوتة السلطان .. عشنا بين جنباتك عمرا كاملا كانت هي دراستنا في الجامعة ومن بعدها لظروف عملنا تعرفنا فيكِ على الحياة وعلى الناس الطيبين وعلى كل أحيائك الراقية والمزدحمة فكنَّا نعشق روي وننتقل بين أسواقها المزدحمة ونصلي في جامع السلطان قابوس هناك ونستمع كل أسبوع لحديث الشيخ الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي لنتجول بعدها بين الدكاكين حتى نصل إلى مركز الأوكي سنتر المستند إلى الجبل والمطل بهيبة على مدينة روي حيث يجتمع أبناء ظفار في المطاعم فنجلس إلى جوار المذيع والإعلامي القدير عبد العزيز السعدون الذي كنَّا نحلم بمشاهدته على الطبيعة في تلك الأيام المبكرة فلطالما شاهدناه في نشرات الأخبار والبرامج السياسية والأدبية وتغطيات قمم مجلس التعاون الخليجي ويعلم الله أنَّه رجل كريم أبو فهد -حفظه الله-.

لقد كانت مطرح بسوقها العامر متنفسًا مثالياً فهي تذكرنا بسوق الحافة في الجنوب فعندما نجلس على شاطئها المنظم نستمتع برؤية اليخوت السلطانية .. فلك السلامة .. وآل سعيد وهي راسية بشموخ كشموخ قلعتي الميراني والجلالي على قمة الجبل المجاور ولا زالت لنا ذكريات مع فندق الميناء ودوار السمكة وحديقة ريام حيث كنَّا نلهو كل أسبوع ... في مطرح ترى التجار وتتعرف على الدنيا من بوابة مختلفة وتستمع لتراتيل قرآنية تنبعث من جامع المدينة العتيق فتنجذب لذلك الصوت الرخيم وتلك الأدعية الخاشعة فحفظ الله تلك الديار من كل مكروه.

صمودك يا مسقط هو صمودنا فأنتِ القلعة الأولى والأخيرة في وطني ففيك يرقد القائد المؤسس طيب الله ثراه وعليك يُخطط مولانا جلالة السلطان المعظم- أيده الله- لنتخطى هذه المحنة معاً بأقل الخسائر ونعلم اليوم أنَّ كثيراً من سكانك ضاقت عليهم الأرض بما رحبت لكنهم صابرون محتسبون فهم يقدمون تضحيات جسام لأجل الوطن بانضباطهم وتعاطيهم الحضاري مع هذه الجائحة وخير شاهد هو قلة عدد الوفيات وزيادة عدد المتعافين بحمد الله ومنته وتظل الزيادة في أعداد المصابين رهينة بعملية دقيقة للفحص والتقصي الوبائي أثبتت أن معظم المصابين هم من الوافدين الذين ينالون الرعاية الطبية اللازمةأن الكثير من الاسر .

ستحدثنا الأيام أن مسقط العامرة تخطت المحنة وكل الوطن عاد إلى عافيته قريباً بفضل الله وبفضل دعوات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لعُمان وسيذكر التاريخ من وقف إلى جوار وطنه في هذه المحنة وهذا البلاء العظيم ولن يرحم من ظل صامتاً يُراقب الوضع غير آبه بما يجري إلا من منطلق مصلحته الشخصية فالمحنة ستزول والمواقف ستبقى خالدة فلا يفوتكم القطار الذي يقوده جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وتأكدوا أنه لن يتوقف لكم مجدداً في محطات قادمة.

حفظ الله أهلنا في مسقط العامرة وفي كل ربوع الوطن.