حاتم الطائي
◄ يتعين طرح حلول تخرج من رحم الأزمة دون تنظير غير قابل للتحقق
◄ الصحة والغذاء والاقتصاد.. 3 تحديات نأمل تجاوزها بأقل الخسائر
◄ تحريك عجلة الاقتصاد تدريجيا بات ضرورة ملحة
في كل أزمة تلم بنا، لا يتوقف المرء عن التفكير في كيفية الخروج منها، والأزمات التي أقصدها هنا ليست فقط الأزمات الشخصية، بل أيضا الأزمات العامة، التي تحل على الدول والمجتمعات والشعوب، فطبيعة التفكير النقدي هي التي تقودنا إلى مسارات التعافي والتطور نحو الأفضل، وفي خضم الأزمة الحالية التي يواجهها العالم، وليس فقط عمان، علينا أن نظل نفكر بعمق من أجل طرح الحلول الكفيلة بالخروج، مع تقليص حجم الخسائر المتوقعة واتخاذ أعلى تدابير الحيطة والحذر.
وعندما ننظر إلى العالم من حولنا، نجد أنّه ومنذ بدء تفشي وباء كورونا واجتياحه لكل البلدان، عكفت الحكومات على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذا التحدي الذي لم نشهد مثله في التاريخ المقروء، حتى في حوادث الطاعون وغيره من الأوبئة، إذ نحن أقرب إلى ما يكون سابقة عالمية لم تحدث من قبل، ومن هنا يتعين أن تخرج الحلول من رحم الأزمة نفسها، ليس فقط أن نجلس ونخوض في نظريات غير قابلة للتحقق على أرض الواقع. ولكن علينا قبل أن نبدأ في التفكير في الحلول أن نتباحث ونقرأ بإمعان تحديات الوضع الراهن؛ وهي التحديات التي يمكن تقسيمها إلى ثلاث؛ الأول: التحدي الصحي، أي قدرة النظام الصحي على استيعاب المزيد من المرضى المصابين بمرض "كوفيد-19"، وطبيعة الاستعدادات التي تتخذها وزارة الصحة والجهات المعنية لمواجهة هذا الأمر في حالة حدوثه لا قدر الله. والحلول المطروحة في هذا الجانب، تتضمن السعي نحو توظيف كافة الإمكانات الطبية؛ سواء في القطاع الحكومي أو القطاع العسكري أو القطاع الخاص، من حيث إجمالي عدد الأسرة المتوافرة، وأسرة العناية المركزة، وأجهزة التنفس الصناعي. وعلى المؤسسات المعنية أن تتجه فورا نحو توفير ما تحتاج إليه من مستلزمات طبية من الدول الشقيقة والصديقة، مع الترشيد في استخدامها خلال المرحلة الراهنة، التي لا تزال الأوضاع فيها تحت السيطرة. هذا إلى جانب تكثيف حملات التوعية بطرق الوقاية من الفيروس، عبر وسائل الإعلام جميعها.
التحدي الثاني الذي نواجهه، ذلك المتعلق بالإمدادات الغذائية والسلعية، وبحسب ما يتم طرحه من معلومات وإحصائيات، فإنّ السلطنة ولله الحمد تملك من تلك الإمدادات ما يؤمن احتياجاتها خلال الفترة المقبلة، وكلنا شاهدنا مدى الوفرة الكبيرة من المنتجات في جميع الأسواق.
أمّا التحدي الثالث، وهو الأشد صعوبة، فيتمثل في ضرورة التعجيل بفتح القطاعات الاقتصادية، على نحو تدريجي، فاستمرار الإغلاقات بالتوازي مع التراجع الحاد في الإيرادات العامة للدولة، قد يدفعنا نحو انكماش اقتصادي لن نتمكن من الخروج منه بسهولة، فضلا عن تضرر مختلف القطاعات، وتوقف أجور الكثير من العاملين في القطاع الخاص نتيجة لتوقف الأنشطة.
وإعادة فتح القطاعات الاقتصادية، واستئناف العمل ينبغي أن يتم وفق إجراءات احترازية تضمن تحقيق التباعد الجسدي، واستخدام أدوات الوقاية الذاتية، والتشديد على عمليات التعقيم المستمرة في المؤسسات، مع استمرار عمل بعض الموظفين عن بعد.
وختاما أقول إنّ الأمر لا يجب أن ينظُر إليه البعض على أنه "تضحية بالأرواح من أجل إنقاذ الاقتصاد"، فهذه مقايضة مرفوضة؛ إذ لا يُعقل أن يتم طرح مثل هذه التصورات السطحية، لكن الواقع يؤكد حتمية العودة سريعا وتدريجيا إلى العمل، وتحريك عجلة الاقتصاد، التي إن توقفت أكثر من ذلك، سيستغرق الأمر سنوات كي تعود للدوران، وهذا ليس تشاؤمًا بقدر ما هو نظرة عملية لما يحدث من حولنا، فلا بديل عن تجاوز الأزمة والبدء سريعا في جهود التعافي.