اعتبر الفيروس دليلا على تغيير "اللعبة الجيوسياسية"

سفير فرنسي سابق: "كورونا" يوجه بوصلة العالم نحو الصين.. والمخابرات الأمريكية توقعت الجائحة

◄ "كورونا" يمنحنا الفرصة لاكتشاف خصائص "العالم الجديد"

◄ عاصفة "كوفيد-19" لا تزال في مهدها.. والتأثيرات الاقتصادية غير واضحة

◄ أمريكا "النجم الساقط" في عالم ما بعد "كورونا"

 

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

 

يرى ميشيل دوكلوس سفير فرنسا السابق لدى سوريا أنَّ فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" ساهم في توجيه بوصلة العالم نحو الصين وآسيا بشكل عام، مشيرًا إلى أنَّ هذا الفيروس التاجي يتيح المجال لاكتشاف خصائص ما وصفه بـ"العالم الجديد".

وبحسب مقال لدوكلوس نشره موقع مونتيجان وهو مركز أبحاث مستقل ومقره باريس، فإنَّ عاصفة "كوفيد-19" الضخمة لا تزال- بلا شك- في مهدها؛ إذ لم تصل بعد إلى جنوب القارة، فلم يصل الفيروس إلى المناطق الأكثر بؤسًا على كوكبنا، مثل بنجلاديش أو اليمن أو مخيمات اللاجئين في باكستان أو الهند وأيضا إدلب بسوريا، وغير ذلك.

وأوضح الكاتب أنَّ التأثيرات الاقتصادية ليست واضحة حتى الآن، لكنها على أي حال ستكون هائلة، لذلك سيكون من الخطر طرح نظرية عامة حول الجغرافيا السياسية للوباء في هذا الوقت.

وتساءل الكاتب عن التأثيرات المحتملة للفيروس على السياسة الدولية؟

وتحقيقاً لهذه الغاية، يقترح الكاتب البدء من ملاحظة مفادها أنَّ الوباء سيسهم في اكتشاف خصائص العالم الجديد؛ حيث تبرز اثنتان من هذه الخصائص؛ وهي: ضعف الحوكمة العالمية في مجال الصحة، وأيضًا التحوُّل في مركز ثقل ميزان القوى العالمية نحو الصين وآسيا بشكل عام بدلاً من أي جهة أخرى. ومع ذلك، ومع إطلاق العنان للأفكار، نعود مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، التي تعد الآن بمثابة النجم الساقط في العالم القديم الذي قد يتغير مساره بشدة بسبب المحنة التي يواجهها حاليًا كل دول العالم تقريبا.

أزمة تكشف عن عالم جديد

وفي مجال الحوكمة العالمية، يقول الكاتب إن أزمة "Covid-19" تبدو أولاً وقبل كل شيء أزمة قدرة استباقية من قبل المجتمع الدولي، ولفهم ذلك، يجب على المرء فقط مشاهدة محاضرة للملياردير الأمريكي بيل جيتس التي ألقاها في عام 2015، وهي متاحة على موقع يوتيوب. فعند استخلاص الدروس من جهود محاربة فيروس "إيبولا"، شعر الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت أنه "هذه المرة، كنا محظوظين"؛ إذ تفشى الوباء في منطقة غير متصلة نسبياً، وهي غرب أفريقيا، وخاصة خارج التجمعات الحضرية الكبيرة، لكن الفرق الدولية تمكنت من التدخل سريعًا. وقال بيل جيتس- وقتذاك- إن "المرة المُقبلة إذا لم نكن مستعدين، فإنَّ المرض قد يكلف ملايين الأرواح ويكون له تأثير اقتصادي ضخم". وأضاف أن الفيروس يمكن أن "ينتشر في الهواء، ليصل إلى الأشخاص الذين سيشعرون فقط بالأعراض الأولى متأخرا ولا يزالون قادرين على السفر بالقطار والطائرة".

ويضيف الكاتب: "ها نحن اليوم، وحسب ما جاء في تقرير وكالة المخابرات المركزية الذي نشر في عام 2009، حول حالة العالم بحلول 2025 فإنه "إذا اندلع مرض وبائي، فسيكون في منطقة ذات كثافة سكانية عالية، وسيكون وثيق الصلة بين البشر والحيوانات، كما هو موجود في بعض الأسواق في الصين أو جنوب شرق آسيا؛ حيث يعيش الناس بالقرب من الماشية".

ويؤكد الكاتب أن العنصر الوحيد المفقود من تنبؤات وكالة المخابرات المركزية هو إشارة طبوغرافية أكثر تحديدًا لتحديد بؤرة انتشار الفيروس: وهنا هو سوق شعبي في ووهان.

ولقد كان أكثر ما يخشاه محللو الاستخبارات الأمريكية هو تفشي "مرض تنفسي بشري جديد شديد العدوى".

وبحسب الكاتب، يجب أن يضاف إلى ذلك التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية مثل البنك الدولي والذي دق ناقوس الخطر منذ سنوات. وقبل كل شيء، لم تقصر منظمة الصحة العالمية في إطلاق "التحذيرات الشاملة"، ووصف حالات معينة بأنها "حالات طوارئ صحية دولية" على غرار ما حدث عندما تفشت إنفلونزا H1N1 في عام 2009، وشلل الأطفال والإيبولا في 2014، وفيروس زيكا في 2016، وإيبولا مرة أخرى في 2019.

ويتساءل الكاتب: لماذا إذن هذا الافتقار إلى الاستجابة المنسقة على المستوى الدولي؟

على الرغم من التنسيق الدولي الذي حدث في أزمات أخرى سابقة، خاصة في أزمات اقتصادية، مثل ما حدث إبان الأزمة المالية لعام 2008 والذي أفرز "مجموعة العشرين"، فضلاً عن التقارب الدولي الذي شهد انطلاق مجموعة "COP21" وما تمخض بعد ذلك مثل "اتفاق باريس للتغير المناخي".

لكن ما نُلاحظه يومًا بعد يوم في إدارة "كوفيد-19" يتماشى كثيرًا مع واقع الحوكمة العالمية في الوقت الراهن، حيث تسود حالة من التشرذم والتوترات في السياسة الدولية.

وأصبحت المنافسات بين القوى العظمى- الولايات المتحدة والصين وروسيا- العامل المهيمن على الوضع السياسي الدولي. وعانت المؤسسات الدولية من مرحلة الضعف، ويرجع ذلك جزئياً إلى الانسحاب الأمريكي من النظام العالمي، وجزئياً إلى الخلاف بين تلك القوى الكبرى. وترتب على ذلك أن منظمة الصحة العالمية لا تلعب الدور المركزي الذي ينبغي أن تقوم به في أزمة "كوفيد-19". فقد أبلغتها الصين بحقيقة الفيروس بعد فوات الأوان، ما أثر على قدرة الدول الأخرى للاستجابة للفيروس.

ويرى الكاتب أن منظمة الصحة العالمية تعطي الشعور بأنها تردد "خطأً صينياً" في مكافحة الفيروس، بعدما نجحت الصين في جني ثمار الاستثمار الذي حققته في منظومة الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة. وأشار الكاتب إلى أن هذا الأمر يعكس المساحة المتزايدة التي تحتلها الصين وآسيا في الشؤون العالمية.

ويختتم الكاتب مقالته بالقول إن الصين استطاعت الخروج من أزمة كورونا الصعبة، بفضل الإجراءات الصارمة، بينما في الوقت نفسه سقطت أوروبا بين براثن الفيروس، وتحولت إلى بؤرة تفشٍ عالمية، بسبب البطء في تنفيذ التدابير الاحترازية، كما أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم كفاءتها وفوضويتها. والآن، تكافح الصين لإعادة مسار الاقتصاد وإحياء القطاعات بعد الإغلاق، بينما تنهار أسواق الأسهم في الغرب. كما تحولت الصين لتكون شريان الحياة لكل من إيطاليا وصربيا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى خذلان شركائهم الأوروبيين. وفي العالم الناشئ، تظهر الصين- بالتأكيد- كقوة يمكنها المساعدة على الصعيد الدولي، وهو الدور الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية ذات يوم.

تعليق عبر الفيس بوك