مؤرخ فرنسي: تقرير المخابرات الأمريكية في 2009 حذَّر من "أوروبا القوية" ووباء عالمي

 

الرؤية- خاص

يطرح كتاب "تقرير المخابرات المركزية الأمريكي" تساؤلا حول شكل العالم بحلول 2020، ويتساءل كذلك عما إذا كانت أوروبا ستتحول لتكون القوة العظمى في العالم.

ووفق نسخة بالفرنسية اطلعت عليها "الرؤية"، فإن المؤرخ والصحفي الفرنسي أكسندر أدلر مؤلف كتاب "التقرير الجديد لوكالة المخابرات الأمريكية.. كيف سيكون العالم في 2020؟" والصادر في عام 2009، يرى أن أوروبا التي كانت توصف بأنها "العجوز القوي" لم تعد كذلك، وباتت تعاني من حالة تراجع، لاسميا منذ بدء التغييرات الديموغرافية التي أفرزت عواقب واضحة- وإن كانت متوقعة- على هياكلها الاجتماعية والاقتصادية. ففي العام 2020 ومع توقع بلوغ تعداد سكان العالم نحو 7.8 مليار نسمة، فإن تعداد أوروبا سيمثل فقط حوالي 10 إلى 15% من سكان الكوكب.

ويوضح الكاتب الفرنسي أن مؤلفي تقرير وكالة المخابرات الأمريكية أشاروا إلى الاختلالات الهيكلية الكبيرة القائمة اليوم بين الفاعلين النشطين وغير النشطين المستفيدين من دولة الرفاهية في أوروبا، والتي باتت على حافة الإفلاس الآن؛ بسبب بلوغ الأجيال السابقة إلى مرحلة التقاعد، دون خلق جيل جديد يحل محل الجيل القديم في سوق العمل بدرجة تكفي لشغل الشواغر.

وقد أعد تقرير المخابرات الأمريكية 25 أكاديميًّا وخبيرًّا دوليًّا، وأطلقوا عليها في البداية "خريطة العالم في المستقبل.. تقرير مشروع 2020"، ويهدف إلى طرح افتراضات مستقبلية ووضعها بين يدي القادة الأمريكيين، ليتمكنوا من ضياغة تصوراتهم وما يُمكن اتخاذه من إجراءات للسنوات الخمس عشرة المقبلة؛ حيث تم تأليف الكتاب في عام 2009.

ويقول الكاتب إنه من المهم، بل من المناسب جدًّا، إلقاء نظرة سريعة على ما يعتقده هؤلاء الخبراء الأمريكيون، حيث وضعوا تصوراتهم لدور أوروبا عالميا على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة. وأشار الكاتب إلى أنه بعد قراءة صحفات عدة من تقرير المخابرات الأمريكية، فقد خلص إلى جملة من التصورات القائمة على تحليل عميق لمحتوياته.

ويقول التقرير الاستخباراتي إن المستقبل سيشهد ابتكارات تكنولوجية هائلة، وأنه يتعين على أوروبا أن تحتفظ بقدرتها على إقامة علاقات قوية مع روسيا، لأنه بحسب تقرير المخابرات "يمكن أن تتفاوض معها على شراكة تحقق العوائد المأمولة"، علاوة على بناء علاقات مع أوراسيا، وتحديدا تركيا، إلى جانب "جميع دول الساحل الجنوبي" في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

لكنَّ مؤلفي تقرير المخابرات لا يخفون حقيقة أنَّ تطبيق هذا السيناريو المتفائل بشكل أو بآخر، يجب أن يتحقق من خلال إصلاحات اجتماعية وسلوكية عميقة وضرورية. وفي حالة عدم القيام بذلك، ستغرق الدول الأوروبية في فترة من الركود الاقتصادي الممتد وهو ما يهدد "الإنجازات الهائلة" التي أفرزها الوضع الحالي للاتحاد الأوروبي. لذلك، يرى الكاتب أهمية البناء في الوقت الراهن على "السيناريو الوردي" الذي يشير إليه تقرير المخابرات الأمريكية، مع التحلي بوعي واضح بالتحديات السياسية والاجتماعية. ويضيف الكاتب أنه يتعين على أوروبا أن تمضي قدما نحو هذا السيناريو شريطة أن تستمر في تعزيز الأداء المؤسسي؛ من خلال تبسيط عملية اتخاذ القرار المعقدة للغاية داخل الكتلة الأوروبية.

ويدعو التقرير، الدول الأوروبية إلى بناء "رؤية إستراتيجية متماسكة ومشتركة"، كما يطرح فكرة إنشاء جيش أوروبي، مع ترشيد وتنسيق نفقاته العسكرية.

ويرى التقرير أنه في هذه الحالة يمكن لأوروبا "الموحدة" أن تصدر نموذجًا للحكومة "المنفتحة" والديمقراطية إلى باقي دول العالم، علاوة على تصديره للقوى الناشئة الجديدة، على الرغم من أن الجميع سيظل ينظر إليه باعتباره نموذجا غريبا، ومن ثم سيواجه هذا النموذج رفض سياسي واضح.

ولهذا؛ يُطالب معدو التقرير بإعادة تعريف الميثاق الاجتماعي "وإعادة تعريف دولة الرفاهية"؛ إذ إن الشركات الأوروبية باتت جميعها تواجه خطرا محدقا؛ فمن وجهة نظرهم أنها تعاني من العجز المالي وهذا سيقودها إلى أزمة اقتصادية، ومن ثم تسقط في دائرة الإفلاس، لتصل في نهاية المطاف إلى مرحلة التفكك.

لكن تقرير المخابرات الأمريكية، يوصي بوصفة علاجية، ترتكز على حلين، الأول اللجوء لمزيد من المرونة في سوق العمل، والثاني: الترحيب بمزيد من الهجرة القانونية لملء الشواغر التي ستخلِّفها موجة التقاعد المقبلة.

وعلى الرغم من هذه التحديات الهيكلية والسياسية، إلا أن معدي التقرير يرون أهمية أن "تحتفظ أوروبا بنفوذ كبير في العالم مُتعدد الأقطاب الذي تشكل منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي"، شريطة أن تتمكَّن من إصلاح ميثاقها الاجتماعي، وأن يرافقه دائمًا وتيرة هائلة من الابتكارات التكنولوجية الرئيسية، مع إدراك واضح للتحديات السياسية والاجتماعية التي تنتظرها للتحرُّك نحو عولمة -إذا كان ذلك مُمكِنًا- أقلَّ حُزنا.

وتعليقا على التقرير، يعتبر الكاتب الفرنسي أن العالم لم يعد يتحلى بالأخلاق، ويقصد هنا العالم الذي تشكل في ظل النظام المتعدد الأقطاب، فهو عالم لا ينعم بالهدوء والسلام، إذ صاحب هذا النظام مساع أمريكية عديدة لتأكيد القوة والنفوذ حول العالم، كما شهد زيادة في المعارضة الإسلامية ذات النزعة الثورية، بجانب صعود من وصفهم التقرير بـ"العمالقة الجُدد" من أصحاب السياسات الاقتصادية الديناميكية مثل الصين، والهند، والبرازيل، وإندونيسيا، وروسيا، وجنوب إفريقيا...وغيرهم. ويضيف أن القرن الحادي والعشرين يبدو أنه سيكون صعبًا حقًا على أي مجتمع هش غير قادر على الإصلاح.

ويرى معدو تقرير المخابرات الأمريكية، أن "أوروبا ستتغلب على تحفظاتها الأخيرة فيما يتعلق بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وستُشارك بفعالية أكبر في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى جانب مساهمتها في تحقيق "الاستقرار السياسي" في "قوس الأزمة"، حيث الصراعات السياسية في دول شرق أوروبا، أو ما يعرف بالجمهوريات السوفييتية السابقة، بجانب دورها المرتقب في العالم العربي المسلم.

تعليق عبر الفيس بوك