كورونيات (1)

خالد حسن الطويل

لا يكاد يخلو أي تواصل بشري هذه الفترة من ذكر كورونا الذي تشبث بأطراف أحاديثنا وصار يقفز على الأفواه دون تردد.

سيطر هذا المقيت على مفرداتنا فصرنا نتنقل بين فايروس وعدوى وانتشار وغيرها حتى أصبحت هذه الكلمات محور كلامنا، وصار هو حديث الساعة وعنوان الوقت، تُقابله في كل ناحية وصوب.

تتطاير أخباره بعدد الثواني لأنه أخذ زمام كل عمل وترأس أهداف جميع المبادرات وراح يخطو على الألسنة بكل ثقة وغرور، أدمنا التحاور عنه وكأنه أصبح من العائلة.

وبين هذا وذاك يتبادر إلى الأذهان تساؤل: أين ذواتنا من ذلك وهل يُفترض أن نكون أسرى للوضع نعطل عقولنا ونؤطر تفكيرنا ونغلقه على هذا الجانب، نتربص، نبحث، نكتب، نقرأ عن كوفيد-19 فقط ونسلم أنفسنا إلى مجرى الأيام دون أن نستغل فرصة الفراغ والاسترخاء في تطوير الذات وكسر جمود العقل وهدم الجدران المحيطة بهذه الفكرة لنسمح بتدفق أفكار أخرى ومواضيع شتى.

مهما بحثنا فلن يزيد من علمنا بكورونا شيء فلندع ذلك لذوي الاختصاص والشق الذي يعنينا أصبح واضحاً وجلياً ولا يحتاج إلى زيادة في المعرفة فالمهم أننا أدركنا خطورة المرض وعرفنا طرق العدوى وأصبح علينا اتباع طرق الوقاية والتزام بيوتنا وكفى.

ثم نسمح لحياتنا بالاستمرار لنحيا الحب والمعرفة ونمارس كل فنون العلم وننهل من الثقافة التي لم يكن الوقت أو المكان يسعفنا لكسبها، لنتفقد هواياتنا المندثرة وننتهز الفرصة لنعيد مياهها الراكدة إلى مجاريها بعد أن قطعتها انشغالات الحياة.

كن إيجابياً قنن من علوم "كوفيد-19" فالأيام سترحل وسيرحل هو معها لكن سيبقى عقلك وفكرك وثقافتك، بادر في استغلال الوقت دعه يرحل وقد حطَّ عندك من رحاله الخير والمعرفة،عزز من ذكرياتك الإيجابية لكي تروي للأحفاد ما عشناه اليوم فالتاريخ سوف يسجل والأجيال القادمة ستحتاج من يروي لها الواقع بلسان المعاصر، اكتب مذكراتك اليومية التي سوف تجد أنها قيمة جدا بعد سنوات..

مهما احلولك الظلام ستشرق الشمس فالنور نهاية كل نفق. كما قال الشافعي: ضاقت ولما استحكمت حلقاتها، فرجت، وكنت أظنها لا تفرج.

نسأل الله العزيز القدير أن يفرج همنا ويبعد عنَّا الوباء والمحن وأن تستعيد الحياة عافيتها وتفتح لنا ذراعيها كما كانت.

تعليق عبر الفيس بوك