"كورونا" وتوظيف التعلم الإلكتروني في عُمان

منير بن محفوظ القاسمي

تذكَّرت وأنا أكتب مقالي هذا أحد البرامج التدريبية التي قدَّمتها يوما ما لإحدى المدارس، حينها كنت متحمسا للنظرة المستقبلية للتحول إلى التعليم الإلكتروني، وقد بدأت سؤالي للمتدربين: هل أنتم مع أم ضد مشروع الانتقال والاعتماد على التعليم الإلكتروني في المدارس؟

وقد بدت إجابات أغلب المتدربين متفاوتة بين من هو مُقتنع بالفكرة، وبين من يرى أن التعليم التلقيني والصفي في مجتمعاتنا العربية هو الأفضل، ويعلل الأخير ذلك بكثير من الأسباب؛ لعل أبرزها: عدم توافر المعرفة بالأدوات التكنولوجية لكثير من المعلمين، وعدم قدرتهم على تطبيق كثير من الإستراتيجيات التعليمية القائمة على التعلم الالكتروني، وليست لديهم الكفايات الأساسية لتنفيذ دروس تعليمية بهذا النوع مع وجود منهج قد لا يتناسب وتنفيذ أساليب التعلم الالكتروني وغيرها من العلل المحبطة.

مع ذلك، استمرَّ البرنامج التدريبي في طرح كثير من الإيجابيات حول توظيف هذا النوع من التعليم ومميزاته؛ وكونه أحد الحلول التي قد تكون مُنقِذا في وقت الأزمات؛ فكثير من الدول التي تعاني من أزمات اعتمدت عليه في التعليم المدرسي؛ لعل أبرزها: دولة فلسطين المحتلة؛ حيث يعاني الطالب صعوبة التنقل للمدرسة، خاصة في ظل الحصار الذي يفرض عليه بين حين وآخر، وقد استعرضت دراسة بعنوان "أساليب توظيف التعلم الإلكتروني في فلسطين لتعزيز عملية التعلم: دراسة تجربة شبكة الاوس التعليمية" (خليف، 2013) نموذج فلسطين في استخدام أساليب متنوعة من التعلم الإلكتروني لدعم وتعزيز أجندة التعلم مدى الحياة، والتسريع في بناء مجتمع المعرفة في فلسطين؛ من خلال إنشاء شبكة تعليمية إلكترونية تفاعلية متخصصة في مناقشة المناهج الفلسطينية؛ وذلك من خلال دمج نظام مودل (Moodle) مع الفصول الافتراضية ونظام (LAMS)  للوصول إلى نموذج مثالي في التعلم الإلكتروني يعتمد على تصميم عناصر تعليمية وفق المعايير الدولية باستخدام برامج تصميم الدروس والاختبارات الإلكترونية (Course Lab) وبرنامج الفلاش.

هذا أنموذج لبلد يُعاني من أزمات استطاع خلالها توظيف التعلم الالكتروني المدمج القائم على وجود نظام تعليمي يربط التعليم الصفي والإلكتروني معا؛ مما شكل حلا لكثير من الطلاب ممن تنقطع بهم سبل الوصول إلى المدرسة، كما أسهم هذا النوع من التعليم حسب نتائج الورقة البحثية في زيادة دافعية الطلاب للتعليم، ورفع مستوى التحصيل العلمي، وزيادة مستوى الخبرات بين المعلمين، والتواصل فيما بينهم ونتائج أخرى مبشرة كالتقليل من الدروس الخصوصية، وزيادة التعلم عن طريق الأقران واستخدام أكثر للتقنية.

ما يهمُّنا الآن بعد هذا المثال في سلطنة عُمان، أننا واجهنا أزمة جائحة كورونا (كوفيد 19) مثلنا مثل بقية دول العالم، وقد أضرت هذه الجائحة كثيرا من القطاعات الحيوية؛ لعل أبرزها: قطاع التعليم الذي توقف في منتصف العام الدراسي، فلجأت الدول للتعلم الإلكتروني، واعتمدت على أدوات التعليم عن بُعد للخروج من مأزق طول مدة التوقف، تسارعت دول لإصدار برامج جديدة تخدم هذا الغرض وغيرها اعتمد على وجود برامج سحابية جاهزة، ونفذ المعلمون دروسا عبر النت، وخاطبت المؤسسات التعليمية الطلاب وأولياء الأمور للدخول لمنصاتها التعليمية، والتفاعل مع تلكم الدروس المقدمة، وقد يصل الأمر للتوجه لعمل اختبارات إلكترونية مقيّمة وقد تعتمد نتيجتها!

إلى الآن الوضع جيد، وما قيل في بداية المقال مُبشر للتحول نحو التعلم الإلكتروني، واقتناع المسؤولين بنتائجه التي كان البعض منهم يتوجَّس خيفة منها أو الاعتماد على هذا النوع من التعليم، بل إن شهادة الحصول على هذا النوع من التعليم لم تلقَ اعترافا كاملا من قبل مؤسسات التعليم العالي في كثير من الدول العربية، وبلا شك فإنَّ جائحة كورونا وضحت لنا أن اعتماد التعليم الإلكتروني بات مطلبا أساسيا للتعليم الجديد، وهنا يجب أن أوضح أنني لست ضد التعليم التلقيني أو التعليم الصفي، بل على العكس تماما، أجد أن الحضور الصفي ضروري لطلاب المدارس، ولكن يجب أن يُخصص جزء من التعليم بالنظام الإلكتروني القائم على نموذج التعليم المدمج؛ إذ يمثل التعلم المدمج الامتداد الطبيعي والوسيط المنطقي ما بين نظام التعليم التقليدي ونظام التعليم الإلكتروني؛ حيث يجمع بين مميزات التعليم الصفي التقليدي والتعليم الالكتروني في عمليتي التعليم والتعلم.

... إنَّ اعتمادَ وزارة التربية والتعليم مستقبلا على وجود نظام خاص لإدارة التعلم يعد مطلبا أساسيا؛ وذلك من خلال دمج نظام مودل (Moodle) مع الفصول الصفية التقليدية ونظام (LAMS) للوصول إلى نموذج مثالي في التعلم المدمج، وتدريب الطلاب على هذا النوع من التعليم، وتوظيف المناهج الدراسية لكي تتناسب ووضعية هذا التوجه؛ بحيث يتم فيه توصيل المحتوى كاملا أو جزء منه عبر الإنترنت، وآخر بشكل التعليم التقليدي، ويمكن الرجوع أكثر للتصفح والقراءة في مميزات التعليم المدمج.

تعليق عبر الفيس بوك