خطاب المحبَّة

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

يترقب المجتمع الإسلامي في المناسبات الدينية والاجتماعية -عبر المؤسسات الدينية والمؤتمرات والملتقيات والمحافل الدولية والندوات العالمية- الخطاب الإسلامي الذي ينبغي أن يُقدِّم للمجتمعات الكثير من الحلول للمشاكل والتحديات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات البشرية كتأثير الأسرة على الأبناء والصعوبات التربوية، والتفكك الأسري والأزمات الاقتصادية، ونشوب الصراعات الاجتماعية.. وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي قد تصيب المجتمع وترهقه وتؤثر عليه سلباً.

.. إنَّ كل هذه التحديات والمشكلات التي يمر بها المجتمع الإسلامي اليوم هي بحاجة ماسة لاستنهاض الأمة وتوظيف طاقاتها الجبارة وتفعيل قدراتها بهدف تجاوز التخلف والانحطاط الفكري والأخلاقي والاجتماعي، وذلك من أجل الالتحاق الجاد بالأمم المتقدمة التي أصبحت وأمست تمتلك الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي، بل وتتنافس بجد واجتهاد وإخلاص في ساحات العلم والمعرفة والتقدم الاقتصادي والسياسي والأخلاقي، وتعريف وتعليم الأمة كيف تكون قادرة على مواجهة مشكلاتها وتحدياتها، فتلك مهمة صعبة يجب أن يتكفل بها الخطاب الإسلامي الديني المعتدل الذي من شأنه نشر المحبة والمودة والترابط بين أفراد المجتمع الواحد.

ولكن! من المؤسف عندما تترقب الخطاب الديني الذي يبثه الإعلام المرئي أو المسموع بشكل مباشر عبر القنوات الفضائية عند كل مناسبة دينية أو اجتماعية، ونتفاجَأ بالخطاب المتشنج الذي يحتوي على الكثير من التزمت والعنف الذي ينتج للأمة مشاكل أخرى الى مشكلاتها، بحيث يشغلها عن مواجهة التحديات التي تواجهها من خلال إثارة المشكلات التأريخية بين الأمم، والابتعاد عما يفيد الأمة ويصلحها؛ قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"، وقال تعالى: "وقولوا للنّاس حسناً".

هناك الكثير من المجتمعات التي تحتشد في كثير من المناسبات الدينية والاجتماعية لتصغي للخطباء، وهي فرصة لتوجيه المجتمع إلى القيم والمبادئ الإسلامية السمحاء، ولكن من المؤسف أنَّ بعض تلك الخطابات التي تلقى على تلك الحشود التي تهيأت جيداً للتفاعل مع ما تسمعه ، توظف لأغراض أخرى ما أنزل الله بها من سلطان؛ لذا ينبغي احترام عقول الناس! فهي أوعية يجب أن تملأ بما يفيدها ويعينها على حل أزماتها الاجتماعية والأسرية والابتعاد كل البعد عن خطاب الكراهية.

لذا؛ فإنَّ من أقوى وأعظم العناصر المتاحة التي من خلالها يستطيع الخطباء الوصول إلى قلوب الناس، وإيصال الرسائل الاجتماعية والدينية والأسرية إلى نفوسهم وعقولهم هو: فن الخطابة؛ ذلك الفن الجميل الذي أبدع فيه الأنبياء في أقوامهم بأبلغ العبارات وأجملها وأحلاها وأزكاها، قال رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: "إنّ من البيان لسحراً"، وقال: "أمرنا أن نكّلم الناس على قدر عقولهم".

ما أجمل الخطيب الرسالي المعتدل عندما يدعو إلى المحبة والمودة والترابط والتعاون بين الناس! نابذاً الخلاف والتباغض والكراهية بين الشعوب؛ وذلك لأن خطاب المحبة والسلام عادة ما يكون له وقع مميز في النفوس، فيأسر القلوب في كل أنحاء العالم البشري، بعكس الخطابات المذمومة التي تتصف بالكراهية والبغضاء.

إنَّ النسيجَ الإسلاميَّ يجب أن يكون قويًّا كما كان سابقا؛ لذا يجب أن لا يسمح بخرقِه أو إضعافِه من خلال نشر خطاب الكراهية بين الشعوب؛ فالكل يجتمع ويلوذ تحت راية الإسلام المحمدي الأصيل حتماً، متآخين متحابين، قال تعالى: "إنّما المؤمنون إخوة".

ومن الواجب التصدي لخطاب الكراهية ونبذه من المجتمع، فإنَّ التصدي له لا يعني تقييداً لحرية التعبير أو حظرها في المجتمع، بل تجنيب المجتمع أضراره ومفاسده، فإنَّ المجتمع اليوم بحاجة ماسة للوقوف بحزم لمواجهة الخطابات التي لا جدوى منها سوى تفرقة المجتمع وإضعاف كيانه؛ وذلك من خلال تشجيع خطاب المحبة المتمثل في الخطابات الدينية المعتدلة والداعمة للعلم والفكر والمعرفة والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع.