"كورونا" والخلل السكاني الخليجي

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة غويتريش، أنَّ أزمة وباء كورونا هي الأسوأ عالميًّا، منذ الحرب العالمية الثانية. أراها أسوأ من ذلك، بل أسوأ من الكساد الكبير، الثلاثاء الأسود 1945، الذي ضرب البورصة الأمريكية، ودمر اقتصاديات العالم، ولعل البشرية لم تشهد جائحة تماثلها، منذ طوفان نوح عليه السلام (أبو البشرية الثاني). إنها عدو البشرية الأول، إنها ليست أزمة واحدة، بل أزمات مركبة: اقتصادية، اجتماعية، صحية، أمنية، سياسية، ونفسية أيضاً، فلا أحد بمنأى عن القلق من الفيرس الذي يجتاح العالم!

دول الخليج في سباق مع الزمن، تحارب الجائحة، تفادياً لما يحصل عند غيرها، ورغم مواردها، واتخاذها التدابير المشددة، تبدو عاجزة عن تحجيمها، معدل الإصابات والوفيات يتصاعد يوميًّا. لا يرجع العجز لنقص الموارد، أو عدم كفاءة الأنظمة الصحية: كوادر طبية وإدارية وإمدادات وقائية علاجية ومخبرية، وإنما يرجع إلى الخلل السكاني الفظيع (أقلية مواطنة، وأكثرية غير مواطنة) في معظم دولها، أكثرية من (العمالة الآسيوية) يصعب السيطرة علي مسلكياتها؛ بسبب ظروف معيشتها المزرية، يتشاركون السكن والمرافق في مساحات ضيقة، يتكدسون بكثافة في شقق ومنازل ومناطق تفيض بسكانها، ويسهل انتشار العدوى بينهم.

تصوَّر منزلا متواضعاً، تسكنه 10 عائلات، أو شقة يقطنها 20 شخصاً، لا ضمان لعدم تفشي المرض بينهم، حتى لو شدد الحجر عليهم!

للمواطن الخليجي أن يتساءل: لماذا لا تفعِّل حكوماتنا تشريعاتها بشأن حظر ظاهرة تقسيم المنازل والفلل؟! لماذا لا تطبق حكوماتنا قوانينها بصرامة، وتفرض غرامات رادعة، وتضرب بيد من حديد على سماسرة الباطن، المستغلين تقسيم المباني السكنية، لحشر أكبر عدد من الأفراد والعائلات الآسيوية سكناً مشتركا ؟! لمصلحة من يستمر هذا الوضع السكني اللاإنساني، وسط فرجان سكن المواطنين وعائلاتهم، في تشويه للمظهر الحضاري، وتغيير للطابع العمراني، وتذويب للهوية الخليجية؟!

لماذا هذا التكدس السكاني، غير الصحي، في مناطق عديدة من عواصمنا، مع توافر آلاف المباني السكنية المهيأة للإيجار؟! لماذا العشوائيات المشوهة في قلب عواصمنا، وأرض الله واسعة؟!

إنَّها إحدى التداعيات المترتبة على الإخلال بالتركيبة المجتمعية، ينبغي على حكوماتنا المسارعة لتصحيحها!

الكويت بدأت حملة إجلاء للعمالة المخالفة والسائبة والمتسولة ومن لا عمل له ومنحهم تذاكر مجانية، خطوة تصحيحية للخلل، تستحق الإشادة والاقتداء من حكوماتنا، الخليج على أبواب شهور عجاف، انتهى زمن النفط المربح، أنت لست بحاجة لهذا الكم الكبيرالمثقل لكاهلك، تستطيع أن تنعم بحياة أفضل لو استغنيت عن نصفهم.

 أذكر، اليوم، بالتقدير التحذيرات المبكرة لرواد التنمية الأول لحكوماتنا، عبر منتديات (التنمية الخليجي السنوية) خلال 40 عاما، من التداعيات الخطرة للإخلال بالتركيبة السكانية، ها هو الفيروس الذي دوخ العالم، وشل الحياة، يكشف صحة تحذيراتهم!

لطالما حذر آباء "التنمية الخليجية" من ترك الحبل على الغارب، واستقدام عمالة رخيصة متدنية المهارة، بدون ضوابط، لأهداف لا تلبي الاحتياجات الضرورية للبنية التحتية والخدمات، لكن ضغوط الطبقة الرأسمالية الريعية، وتجار الإقامات الهادفة إلى تعظيم مكاسبها، بذرائع التوسع في مشاريع البناء والعمران، كانت هي الأقوى، وكانت لحكوماتنا مصالح مشتركة معها، إثر تزاوج السلطة برأس المال!!

اليوم.. نكتشف أننا حققنا توسعاً عمرانياً بلا اقتصاد حقيقي، بل يستنزف مواردنا! أي جدوى اقتصادية لهذا التوسع العمراني باهظ الكلفة؟! وما المردود الاستثماري للدولة وراء التسابق لتشييد ناطحات السحاب، والمولات، غير التقليد والمباهاة المستنزفة للموارد العامة والخدمات؟!

أؤيِّد تشييد الناطحات والمجمعات التجارية والسكنية، على أن لا تكون عالة على الدولة، فليس مقبولاً الاستمرار في تنفيع أصحابها على حساب الموازنة العامة، ونفطنا في تراجع!

----------------

الملخَّص: هذه المجمعات السكنية العشوائية المنتشرة في عواصمنا، تصعب السيطرة عليها، ومهما أوتيت حكوماتنا من قوة أمنية كفوءة، فإنها تعجز عن رصد ومراقبة سلوكياتها غير المنضبطة! على حكوماتنا الاستعداد لعالم ما بعد كورونا بتنمية رشيدة. الحياة فقدت بهجتها وصارت مريرة، والعالم أقفر وملؤه البؤس، والناس احتجروا وتباعدوا، وهو الأمر. ولا ملجأ غير الله يرفع البلاء.

 

* كاتب قطري