شبح كورونا والوسواس القهري

د. أميرة الخروصية
يعتبر مرض الوسواس القهري العصبي من أكثر مشاكل الصحة العقلية التي قد يُواجهها الناس أثناء تفشي الفيروسات؛ ومنها: فيروس كورونا، كما أنَّ البعضَ يُعانون من الرهاب الجرثومي، والوضع الحالي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالتهم، وهذا النوع من الحالات يُولد لدى صاحبه أفكارًا متكررة ورغبة جامحة لفعل مُعين وبصورة مُلحَّة جدًّا، ومع الأسف عادةً ما يتم تشخيص مثل هذه الحالات متأخرا بسبب الخجل عن الإفصاح عن وجود مثل هذه الأعراض لدى الشخص، وأكثر السلوكيات المرتبطة بمرض الوسواس القهري هو الغسل المتكرر لليدين، حيث أشارت الدراسات إلى أنَّ 87% من المرضي لديهم تصرُّفات قهرية بغسل اليدين المتكرر الذي يعتبر الأكثر شيوعا في فئة الأطفال والمراهقين تحديدا. كما أشارت دراسة قامت بها الدكتورة سوسان سويدو، وفريقها البحثي المشارك، أن بعض أنواع الميكروبات لديها القدرة للتأثير على الجهاز العصبي للأطفال؛ مما يؤدي لتطور أعراض الوسواس القهري بشكل مفاجئ، وكما ذكر الدكتور ديفيد فيل في صحيفة "الجارديان" بأن معدل تردد مرضى الوسواس القهري قد زاد، وصادف مقابلته 3 مرضى في يوم واحد، والذين أصبح جل تفكيرهم اليومي الدائم هو كورونا، ويعتبر هذا الجزء من العلاج لهذه الفئة من المرضى هو الاستغناء عن غسل اليدين والخروج من المنزل، وهذا بالطبع يتعارض مع إرشادات الوقاية من كورونا الموصَى بها عالميًّا من منظمة الصحة العالمية.
إنَّ مرض الوسواس القهري مرتبط منذ زمن طويل بعدة أمراض سببها العدوى الفيروسية؛ مثل: مرض نقص المناعة المكتسب، ومرض الزهري على سبيل المثال لا الحصر، ويتوقع الباحثون زيادة ملحوظة في حالات ارتباط كورونا بالوسواس القهري إذا ما تم السيطرة عليه.
ولقد أوصت المعالجة النفسية فيرونيكا لاكس، مُنتسبِي برنامج نقطة تحول في مملكة السويد بتدوين قائمة بالأشياء التي تسبِّب لهم القلق، وتحديدا التي تسبِّب القلق الخارج عن سيطرتهم؛ حيث إنَّ هذا سيُساعدهم كثيرا لتجنب مُسبِّبات القلق في المستقبل، والتكيف مع الوضع الحالي؛ حيث إنَّ القلق والتوتر يرفَع من مُستويات هرمون الكورتيزول والأدرينالين في الجسم، والتي أكدت الدراسات على علاقة قوية بين المشاعر السلبية ومستويات الأدرينالين في الدم، إضافة إلى ذلك فإنَّ التنفُّس العميق ببطء، أو التأمل، أو ممارسة الرياضة يمكن أن تساعدهم في تنظيم مستويات الكورتيزول في الدم؛ وبالتالي التخفيف من حدة القلق المرتبط بزخم الأخبار اليومية.
لذلك؛ من المهم أن يتواصل مرضى الوسواس القهري مع الطبيب المعالج والاستشاري النفسي إذا كانوا يكافحون من أجل التأقلم مع هذه الجائحة الفيروسية؛ حيث إن فهم كيفية التعامل مع هذا القلق أو الرهاب الجرثومي والتغلب عليه هو العلاج الوحيد لمثل هذه الحالات، وبلا شك يتحتَّم على المريض في هذه الفترة بالتزام إرشادات المعالج النفسي الخاص به، وأعتقد شخصيا أنَّ القلق بشكل عام ظاهرة طبيعية تساعدنا في السيطرة على وضعنا ولكن بنسبة مقبولة، كما أنَّ من سلبيات العالم الرقمي كمية المعلومات المتاحة يوميًّا؛ حيث تتغير النصيحة من بلد لآخر وداخل البلدان أنفسها أحيانا، وبذلك نُوصِي الجميع -وعلى وجه التحديد مرضى الوسواس القهري- عدم الإفراط في متابعة الاخبار، وكذلك اعتماد الاخبار من المصادر الموثوقة فقط.
* أستاذ مساعد بكلية الطب والعلوم الصحية - جامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك