"كورونا" يهوي بالاقتصاد العالمي.. ودول تدخل نفق الإفلاس المظلم

"الحرب العالمية الثالثة".. العالم يواجه شبح البقاء أمام "العدو الخفي"

 

- العالم يقترب من العزلة التامة خوفًا من "أشباح كورونا".. والمرض يفتك بأكثر من 100 دولة

- الإصابات تتجاوز 315 ألفا.. والأرقام قابلة للزيادة

- الفيروس التاجي تسبب في عزل مليار إنسان.. وإجراءات دولية مشددة

مخاوف من تجاوز أرقام الضحايا للإنفلونزا الإسبانية والحربين العالمية الأولى والثانية

- العزل واللقاح وتجارب الأدوية حلول أخيرة ولا يمكن تحديد موعد انتهائها

 

سيليق أكثر ذلك العنوان أو التوصيف بأنّ البشرية تواجه خطر البقاء لو أنّ الأمر "أفيش" لأحد الأفلام الهوليودية، أو مؤلفات الخيال العلمي، أو شيء يشاهده العالم وينبهر ويقول يا إلهي ماذا لو حدث ذلك؟ ثم تتبعه نقاشات ضاحكة وصخب، لكن الحقيقة أنّ ذلك هو ما نعيشه الآن، دون تهويل ودون سينما وحتى محاولات البعض صفع نفسه كي يستيفق من ذلك الكابوس لن تجدي؛ فلا هو فيلم ولا كتاب ولا كابوس هي حرب تهدد العالم بأسلحته وعتاده والتكنولوجيا التي يتباهى بها كل يوم، وكل ما توصلنا إليه حتى الآن لم يجدِ في التصدي لـ"كورونا" دون الإنكار أنّه ساهم إلى حد ما وحتى الآن في تقليل تبعاته.

 

الرؤية- محمد البرمي

 

ومرت البشرية عبر تاريخها بالكثير من الأزمات والأمراض وحرب عالمية أولى وثانية، لكن لـ"كورونا" ظروف مختلفة، ففي "الإنفلونزا" الإسبانية على سبيل المثال والتي ضربت العالم قبل أكثر من 100 عام وخلال عامين فقط، تعرّض نحو 500 مليون شخص حول العالم للفيروس المسبب للأنفلونزا الإسبانية فارق من ضمنهم 50 مليوناً الحياة بسبب تبعات المرض، تخطى عدد ضحايا هذا الوباء ضحايا الحرب العالمية الأولى المقدر عددهم بحوالي 20 مليوناً بين قتيل وجريح.

يختلف كورونا عن الإنفلونزا الإسبانية أنه يأتي والعالم أشبه بقرية صغيرة، في وجود شبكة طيران قوية وإنترنت وتقدم تكنولوجي لم تعرفه البشرية من قبل وطفرة في الطب بشكل عام، إلا أنّ كل ذلك لم يمنع انتشاره، وربما ساعده أكثر على الانتشار فيكفي أن يصاب مواطن واحد فقط ويصعد طائرة ليصيب كل من يتعامل معه، وبدورهم ينقلون العدوى إلى بلادهم حتى أصبح اليوم في أكثر من 100 دولة دون تفرقة بين متقدمة أو متخلفة، تمتاز بنظام صحي قوي أو ضعيف، يصل إلى الجميع ودون أن يراه أحد، وربما يحمله أحد الأشخاص وهو لا يعرف أنه مصاب به، وهنا تكمن الخطورة.

وحتى كتابة هذه السطور أوقع فيروس كورونا المستجد 14,396 وفاة على الأقل حول العالم منذ ظهوره في ديسمبر، بحسب حصيلة أعدّتها وكالة "فرانس برس" استنادا إلى مصادر رسمية حتى الساعة 19,00 ت غ من يوم الأحد، وتم تشخيص أكثر من 324,290 إصابة بالفيروس في ما مجموعه 171 بلدا ومنطقة منذ أول ظهور للوباء، إلا أنّ هذه الحالات التي تم تشخيصها لا تعكس إلا جزءا من الرقم الفعلي للإصابات، إذ أنّ دولا عدة لا تجري فحص الإصابة بكورونا إلا للحالات التي تتطلّب دخول المستشفى.

خلال الفترة الماضية اتخذت دول العالم قرارات قاسية بإيقاف الطيران وفرض حظر التجول والعزل الذاتي والإغلاق الكامل لولايات ومناطق، وفنادق ومقاهٍ ومطاعم كل شيء صار مغلقًا، ربما هي المرة الأولى التي تغلق البلاد حدودها منذ الحربين الأولى والثانية لكن اللافت هنا أنّ العدو لن يعبر الحدود على ظهر دبابة ولا طائرة، ولا حتى سيمكنك من رؤيته، فلديه قدرة أكبر بكثير وعلى ما يبدو من قدرات البشر في التخفي والإصابة.

ففي الحرب العالمية الأولى (1914 -1918) ووفقًا لأرقام رسمية، قدرت الخسائر بـأكثر من 8 ملايين قتيل، و21 مليون جريح، و7 مليون أسير ومفقود، وقد أتت خسائر روسيا على رأس قائمة الخسائر البشرية تلتها خسائر كل من ألمانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، أمّا أهم الخسائر المادية فقد وقعت في الأراضي التي دارت فيها المعارك حيث أتلفت المحاصيل الزراعية، وقضي على المواشي ودمرت مئات آلاف المنازل وآلاف المصانع، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية ومناجم الفحم التي غمرها هذا الطرف أو ذاك بالماء لمنع استغلالها من قبل العدو، وبالنسبة للتكلفة المادية فقد أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 334 مليار دولار.

وفي الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) تشير تقديرات إلى أنّ عدد ضحايا الحرب في العالم من العسكريين والمدنيين تجاوز 62 مليون نسمة أي ما يعادل 2% من سكان العالم في ذلك الوقت، وكان نصف الضحايا من المدنيين، يضاف إلى هذا العدد عشرات الملايين من الجرحى والمشوهين، وقد كان كل من الاتحاد السوفيتي وبولندا وألمانيا من أكثر البلدان الأوروبية تضررًا من ويلات تلك الحرب.

 

هل كورونا حرب عالمية ثالثة؟

ربما يمنح "كورونا" العالم فرصة لإخفاء وجهه القبيح بكل أزماته، والتقاط الأنفاس وإيقاف الصراعات وأن يضع الجميع يدًا في يد، فلم تعد الحرب تجارية أو سياسية لكنّها أصبحت حربا من عدو خفي وضع الجميع في قبضته وأجبر كل دولة على محاصرة نفسها والانعزال تمامًا على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فلم يترك الفيروس بلدًا لم يزرها.

وبحسب خريطة انتشار الفيروس والتي تحدثها الـ"بي بي سي" بشكل مستمر فإنّ "كورونا" قد غزا وخلال الـ 100 يوم الماضي قارة أوروبا بأسرها، وفي آسيا نجد 7 دول فقط لم تعلن عن إصابات هي كوريا الشمالية ولاوس وميانمار وقيرغيستان وطاجيكستان وتركمانستان واليمن، وفي القارة الأمريكية فلم يترك أي دولة حتى الآن باستثناءات بسيطة لدول مثل غرينلاند و"بيليز".

وفي إفريقيا فإنّ الفيروس انتشر في 43 دولة حتى الآن باستثناء مالي وسيراليون وغينيا بيساو والرأس الأخضر وبعض الجزر وأوغندا وراند وزامبيا حتى كتابة هذه السطور لكن أمام الإنتشار المرعب للمرض وقدرته ربما تتغير الخريطة في أي وقت فنحن نتحدث عن مرض يفتك بأكثر من 100 دولة في العالم، ولم تسلم منه الدول الكبرى.

وبالنظر إلى الإصابات في الصين أمريكا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وكندا وعدد الدول التي  تجاوزت الآلاف وتشكل القوة العظمى في العالم والقدرة التكنولوجية وقوة النظام الصحي العالمي سنجد أنّ الصين سجلت الصين81,435 إصابة وبلغ الوفيات3,274 وفي إيطاليا الإصابات 59,138 والوفيات5,476 وفي الولايات المتحدة الأمريكية الإصابات33,141 والوفيات414وبلغ عدد الإصابات في  إسبانيا28,768  والوفيات  1,772 بينما سجلت ألمانيا24,873 إصابة و ووفاة 94 وفي إيران21,638 إصابة و1,685 وفاة وفي فرنسا بلغت الإصابات 16,018 والوفاة674 أمّا كوريا الجنوبية 8,961إصابة ووفاة111، وفي سويسرا تراوحت الإصابات بين  7,245 والوفاة 98 وبلغت الإصابات، وفي بريطانيا  5,715والوفاة 281، وسجلت هولندا4,204 والوفاة 179 وسجلت بلجيكا3,401 إصابة والوفاة   75 وسجلت النمسا3,244 والوفاة 16 والنرويج سجلت إصابة  2,383 والوفاة 7، وبالتأكيد القائمة تطول وستستمر الأرقام في التغيير لكننا نستدل هنا على خطورة الموقف والحرب التي يواجهها العالم دون إراقة نقطة دماء واحدة.

 

خسائر اقتصادية فادحة.

بالتأكيد البشر أهم من الأموال والاقتصاد لكن إذا كنا نتحدث عن الخسائر فوفقًا لتقديرات أولية لـ"نيويورك تايمز" أكدت أنّ البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم تواجه خطر تحول أزمة السيولة إلى أزمة مالية، مثلما حدث عام 2008، ووصل عبء الديون العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث بلغ مستوى الديون في قطاع الشركات الأميركية 75% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، محطما الرقم القياسي السابق الذي سجل عام 2008.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ الصناعات التي تضررت بشكل مباشر من فيروس انتشار كورونا شملت كلا من الشركات الكبرى في قطاعات السيارات والفنادق والنقل، في وقت توجد فيه شركات "الزومبي" في سوق ديون الشركات التي تبلغ قيمتها 16 تريليون دولار أميركي، كما تضاعفت الضغوط جراء تراكم الديون لدى الصناعات التي تأثرت بما في ذلك النقل والترفيه وقطاع السيارات، وربما الأسوأ من ذلك كله، تأثر قطاع النفط.

وتأهبت المنظمات الدولية ومؤسسات مالية لدفع حزمة أموال تحفيزية لاقتصاديات دول متضررة من فيروس كورونا، فقد دفع صندوق النقد الدولي بـ 50 مليار دولار كحزمة مالية لمواجهة أزمة كورونا، وقررت الولايات المتحدة الأمريكية دفع حزمة تمويل قدرها 500 مليار دولار، والصين تضخ أكثر من 173 مليار دولار، لتواجه مؤسساتها الأزمة الراهنة.

وبلغت الأضرار الناجمة عن الانتشار المرضي أكثر من 15 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي، و5 مليارات دولار بالولايات المتحدة الأمريكية، و5 مليارات دولار في اليابان، وهبوط الاستثمارات الخارجية في أوروبا لـ 400 مليار دولار، وأكثر من 300 مليار دولار خسائر الاقتصاد العالمي، وبلغت خسائر شركات الطيران العالمية 113 مليار دولار.

 وتتوقع مؤسسة أكسفورد للاقتصاد، أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة % ليصل إلى 5.5%، بحلول العام 2020، وذلك نتيجة لتفشي الفيروس، كما تتوقع أيضا تراجع نمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.2%، ليصل إلى 2.1% في 2020، وبدوره توقع بنك جولدمان ساكس، أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة مئوية ليصل إلى 5.5%، فيما توقع تراجع نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.4 نقطة مئوية في الربع الأول من هذا العام.

وفي دراسة تحليلية أصدرتها الأونكتاد، ذكرت أنّ فقدان ثقة المستهلك والمستثمر هي أكثر النتائج المباشرة لانتشار العدوى، إلا أنّ الدراسة أكدت أنّ مزيجا من انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وتفاقم توزيع الدخل كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى دوامة من التراجع تجعل من الوضع أكثر سوءا.

ووضعت الأونكتاد سيناريو يوضح تأثير هبوط أولي على الاقتصاد، ووجدت الدراسة أنّ العجز سيكون بمقدار 2 تريليون دولار في الدخل العالمي، و220 مليار دولار في الدول النامية، باستثناء الصين، وتوقع كوزيل، أنّه في أسوأ السيناريوهات حيث ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.5%، فإننا نتحدث هذا العام عن خسائر تُقدر بنحو 2 تريليون للاقتصاد العالمي.

وفي دول مثل كندا والمكسيك وأميركا الوسطى، ودول مثل شرق وجنوب آسيا والاتحاد الأوروبي، فإنّها سوف تشهد تباطؤا في النمو بين 0.7% و0.9%، كما أنّ من تربطها علاقات مالية قوية مع الصين ربما ستكون الأقل قدرة على التعافى من تأثير أزمة كورونا على الاقتصاد، وجميع هذه الأرقام قابلة للزيادة بشكل يومي مع استمرار أزمة انتشار "كورونا" وتوقف حركة التجارة العالمية.

 

متى تنتهي "حرب كورونا" على العالم

وفقًا لـ"بي بي سي" وبحسب دراسات أجراها عدد من العلماء الذين أكدوا أنّه وحتى إذا بدأ عدد الحالات في الانخفاض في الأشهر الثلاثة المقبلة، فإننا سنظل بعيدين عن نهاية الأزمة، إذ قد يستغرق إيقاف انتشار الفيروس وقتاً طويلاً لذلك، وربما سنوات، لكننا مضطرون للالتزام باستراتيجية العزل لكنها لن تكون جيدة على المدى البعيد.

وحدد العلماء 3 طرق للخروج من هذه الفوضى: تلقيح - تطوير مناعة لدى ما يكفي من الناس من خلال الإصابة - تغيير سلوكيات مجتمعاتنا بشكل دائم. كل من هذه الطرق من شأنه أن يقلل من قدرة الفيروس على الانتشار، لكن اللقاحات تحتاج وفقا لمنظمة الصحة العالمية من عام إلى عام ونصف.

لكن من حسن الحظ هو وجود بعض العلاجات القوية والناجحة في مواجهة فيروس كورونا حتى الآن كما أن بعض الدولة بدأت في تطويرها بالفعل على أمل إنقاذ العالم من الوحش "كورونا أو "كوفيد 19".

 

تعليق عبر الفيس بوك