خليفة بن سلمان.. وشيء اسمه الوفاء

عبدالنبي الشعلة

 

لا غرابة فيما نعرفه حقّ المعرفة، وما شاهدناه ورأيناه ولمسناه أمسِ، من بهجة وفرحة عارمة غامرة، ومشاعر فياضة اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي، في غياب إمكانيات التعبير عنها في الشوارع، وعمّت البحرينَ كلَّها قيادةً وشعبًا بعودة كبير الأسرة البحرينية وحكيمها، وأمير قلوبها خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي عاد للبلاد ليواصل جهوده وعطاءه في ركب تطور البحرين ونموها وتقدمها، في ظل العهد الزاهر لصاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه.

إن الشعوب الواعية تظل تحب وتقدر وتتمسك وتتعلق برموزها الوطنية التي بنت أوطانها، وحافظت عليها، وشيدت لها أسس وركائز تطورها ونموها، وهذه هي القاعدة التي تربط وتحكم علاقة شعب البحرين بخليفة بن سلمان، الذي أصبح بالنسبة إليهم رمز الوطن ورمز العطاء ورمز الوفاء.

وخصلة الوفاء صارت من بين أبرز الخصال الحميدة التي تحلى بها خليفة بن سلمان، ومن ضمن منظومة القيم التي يؤمن ويتمسك بها مبدأً وتطبيقًا، فجعلت منه نموذجًا للإداري الناجح، والقائد المحبوب ورجل الدولة القدير المحنّك.

والوفاء التزام.. والوفاء مسؤولية تنوء تحت وطأتها العواتق والكواهل؛ فهي تبدأ بالنفس، فيكون الإنسان وفيٌّ مع نفسه أولًا تجاه التزاماته ومسؤولياته، وقد وجدت البحرين في خليفة بن سلمان مثالًا ساطِعًا للقائد المنضبط الوفي لالتزاماته وواجباته، والوفي، بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، لشعبه ولقيادته ولوطنه، ولكل ذرة من تراب الوطن.

وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، لذلك، ودائمًا وفي كل المواقف والمناسبات بادلته البحرين الوفاء قيادةً وشعبًا، وقد تجلّى وفاء القيادة له، أمس، في أجلى وأنصع صوره، عندما تفضل صاحب الجلالة الملك المفدى، وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظهما الله، وبمعية عدد من كبار أفراد العائلة المالكة، فكانوا على رأس مستقبلي سموه في المطار عند عودته من الخارج.

ومن منطلق الوفاء للوطن قيادة وشعبًا، وجدنا خليفة بن سلمان دائمًا واقفًا بكل صلابة وشموخ عند كل المنعطفات والمنزلقات، وفي اللحظات المصيرية والتاريخية التي عبرها ومرّ بها الوطن، وليس هناك أحد في البحرين فتح عينيه إلا ورأى خليفة بن سلمان، وهو مشغول ومنهمك في البناء والتطوير.

في الوقت نفسه، ظلّ خليفة بن سلمان وفيًا ملتزمًا، مسخرًا وقته وجهده وطاقته في مواصلة مسيرة البناء، لا يوقفهُ عن تحقيق هدفه أي عائق، ولا يشغله أي شاغل. وإنني على دراية تامة، وسمعت الكثير، بل رأيت بأم عيني، وعلى مدى سنوات طويلة، كيف أن سموه لا يغمض له جفن، ولا يعرف الراحة أو الاسترخاء، ولا يمنعه المرض ولا المسافات الطويلة عن الوفاء والالتزام بتأدية واجباته ومسؤولياته؛ بحيث أصبحت سيرته ومسيرته ومدونات وذاكرة الوطن حافلة بالمكتسبات والإنجازات المبنية على القراءة المستقبلية والنظرة البعيدة، وحسن التقدير من جانب سموه.

وقد انطلق سموه في مسيرته التنموية من إيمانه الراسخ وقناعته الثابتة بأن تنمية الأوطان يجب أن تبدأ وترتكز على تنمية الإنسان؛ ولذلك فقد أعطى سموه منذ البداية أولوية قصوى وأهمية بالغة لأهم عناصر ومقومات بناء الإنسان والوطن، وهما الصحة والتعليم.

كان سموه يدرك ويؤمن بأن التعليم.. ثم التعليم.. ثم التعليم، هو عماد التنمية والبناء والتقدم، وهو ما يجعل الإنسان أكثرَ وعيًا وإدراكًا ومقدرة على المساهمة في البناء والتنمية؛ ولذلك فقد اهتمّ بنشر التعليم في البلاد وتوفيره مجانًا للجميع، وحرص لهذا الغرض على فتح المدارس في كل المدن والقرى، وبادر بابتعاث الطلبة البحرينيين المتفوقين من مدن البحرين وقراها، دون تفرقة أو تمييز، إلى الجامعات المرموقة وفي مختلف التخصصات في الخارج.

وفي مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي اجتاحت العالم العربي موجات من المدّ القومي والتيارات الناصرية والماركسية، وأصبحت البعثات الطلابية البحرينية في بعض الدول العربية عرضة وهدفًا لاختراق الأفكار والتنظيمات السياسية الراديكالية، ما أدى إلى انحراف بعض الطلبة البحرينيين عن المسار التعليمي، وانخراط الكثير منهم في الحراك السياسي المحموم، من خلال "الروابط الطلابية" البحرينية في تلك المدن والدول، ومن أبرزها، في ذلك الوقت،  القاهرة ودمشق وبغداد.

وقد قام البعض بنصيحة خليفة بن سلمان بأن يبادر بإعادة الطلبة البحرينيين الدارسين في الخارج إلى البحرين، والاكتفاء بما هو متوفر من تعليم في البلاد، والتخلّي عن خطط وبرامج ابتعاث الطلبة البحرينيين للدراسة في الخارج، درءًا للمخاوف والمحاذير، إلا أنه رفض ذلك، وأصرّ على الاستمرار في تلك الخطط والبرامج التعليمية بل توسيعها، تمشيًا مع توفر الموارد والمخصصات المالية، رافعًا شعاره المعهود: "إنهم أبناؤنا".

إن رؤية سموه التنموية تستند أيضًا إلى قاعدة أن تسليح المواطن علميًا لا يكفي دون تحصينه جسديًا، فالحكمة تقول وتقتضي أن يكون "العقل السليم في الجسم السليم"؛ ولذلك فقد اهتمّ خليفة بن سلمان أيضًا بتوفير مرافق الرعاية الصحية والعناية الطبية المجانية لكل المواطنين والمقيمين في البلاد، من خلال توسيع شبكات المستشفيات والعيادات، وتطويرها في مختلف المدن والقرى. وبالنسبة للحالات المرضية المستعصية التي يتعذر علاجها محليًا، فقد استحدثت حكومة البحرين برنامجًا لتوفير العلاج في الخارج، ووفرت له المخصصات المالية اللازمة، التي ظلت ترتفع حتى في حالات الضائقات المالية وانخفاض دخل الدولة.

وبعد.. فتلك كانت مجرد لمحات خاطفة، أو وقفات قصيرة عند بعض المحطات الرئيسة، على طريق مسيرة التنمية والتطوير والبناء، التي أرساها واختطها وأشرف على تنفيذها، بكل صدق ووفاء وإخلاص، صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه.