ربيع خميس.. لا يزال عاليًا بكعبه!

عوض المغني

 

بالنسبة لكاتب السطور، كانت سهرة أحد أيام أغسطس 1990 استثنائية حيث احتفال زواج عمي، ولكن أيضا هناك من تصدر المشهد ليلتها، وهو ربيع بن خميس سعد بيت سليم في أولى إطلالاته الفنية والتي لا أنكر أنني دهشت بها.

ربما لصغر سني لم أع ما غناه أبو فؤاد ليلتها، ولكن الأمر احتاج برهة من الوقت وانتشر فن ربيع عندما أُسست فرق فنية تولت إقامة السهرات في ولاية طاقة أسبوعيا، ليظهر لنا جليا لون فني كنا نحسبه كسابقيه (بن ذيلة و نصيب بو سلاسل) قائم على الطرافة والواقع المعاش.

فأغاني كأغنية" لا لا يا يمة ما بغيت" و "شل الخالة مشيها " و "ما بغيت اتزوج" إلخ.. كانت عند انتشارها في بداية التسعينيات فاكهة المجالس وأهازيج الفتية الكشفية وحفلات السمر لما حملته من طرْق (أسلوب) فني واكب أسلوب التسعينيات في أغاني البرعة على الأقل ولكنه أيضا أسلوب فريد عرف به أبو فؤاد.

وعندما غنى ربيع رحمه الله "يا بو كعب عالي" طبعًا يقصد الفتاة المتغنجة في خطواتها والتي تسمع بسبب كعب حذائها، عرف به بعد ذلك، دلالة على علو كعبه ربما في ذلك اللون الفنّي الذي أجاده بلا تصنع وبلا إسفاف يذكر سواء على مستوى الكلمة أو الطرق واللحن، بل العكس مع مرور الزمن اكتشفنا أنّ تلك الأغاني طالما ضحكنا ونحن نرددها وكأنّها تعتقت مع مرور الزمن وزادت جمالا مع ترديدها مؤخرا في مختلف مناطق السلطنة.

فهذه جماهير نادي السيب تتغنى بـ "يا شمس غيبي لا يبعد حبيبي".. وآخرون ينشدون "شل الخالة مشيها" وهكذا.

وعلى الرغم من صبغة الطرافة التي اصطبغ بها فن ربيع خميس إلا أنه كذلك طرق الغزل وأغاني الحب والشجن، فأغنية "يا سحابة وين غاب القمر؟" وإن كانت بسيطة ومألوفة في عنصريها السحاب والقمر إلا أن الصورة الشعرية المرتسمة لحالتي الشد والجذب بين العنصرين (السحابة والقمر) متكاملة ويزيد دهشة المستمع أنّ السائل يستحث السحابة من على الأرض بقوله: خلي للعاشق محبينه!

وشهادة أهل المجال في فن أبي فؤاد حري الأخذ بها، فيقول الفنان والملحن مستهيل الكلالي: بالنسبة للشاعر، الفنان، الصديق، ربيع خميس إن جئنا نتحدث عنه كشاعر كانت له خصوصية مميزة في طرح الفكرة الشعرية واختيار المفردة بعيداً عن باقي من هم في المجال في عصره، وإلى الآن لم يأتِ من يقتبس نفس الفكر والأسلوب.

وأمّا كفنان كذلك كان له لونه الخاص في التعامل مع ناقل الصوت (المايك) والأداء الجذاب؛ مما يجبر المتلقي على الإنصات له وحفظ ما كان يطرحه من أعمال فنية في قمة الروعة، والدليل في الوقت الحالي عاد بنا الزمن لكي يتداولها القاصي والداني وذلك يدل على صدق ما كان يترجمه من أحاسيس ومواضيع اجتماعية؛ رحم الله الفنان ربيع رحمة واسعة.

ما دعاني إلى الكتابة في سيرة أبي فؤاد رحمه الله، أنه بعد أيام تمر الذكرى الأولى لرحيله المؤلم، ولكن مذ فارقنا بعد معاناة مع المرض نكاد نجزم أنه ما زال بيننا بضحكته المجلجلة وروحه الفكهة، وذلك لكثرة ما غدت أغانيه تتردد لدى أجيال لم تحظ بالاستماع لها في حقبتها الأولى ولكنها اليوم أضافت لها روح العصر السريع وتخبرنا كذلك بأن الإبداع لا يقتصر على الدهشة الأولى للعمل الفني، ولكنه أيضا يتمتع بالديمومة وكأنه يعيد شبابه عبر الأجيال، رحم الله ربيع بن خميس وأسكنه فسيح الجنان.

تعليق عبر الفيس بوك