تطوير منظومة القوانين والتشريعات

 

زياد بن علي البلوشي

Zaybalooshi2018@icloud.com

أشارَ مَوْلانا حَضْرة صَاحِب الجَلَالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي بتاريخ 23 فبراير إلى عَزمِه تطوير منظومة القوانين والتشريعات؛ حيث يدرك جلالته -أيَّده الله- أن القوانين والتشريعات هي أساس كل تطوير، وهي القاعدة التي تُبنى عليها الحضارات، والمؤشر الذي يقاس به تقدّمها.

والمتتبِّع لمنظومة القوانين والتشريعات في السلطنة، يجد أنها امتازت بثبات قواعدها؛ الأمر الذي يُعتبر أساسًا لرسوخ دولة القانون والمؤسسات، ويُسهم في استقرار المراكز القانونية، ويسهِّل معالجة جميع المسائل التي تُعرض أمام القضاء؛ اذ يكون التنبؤ واضحاً بنتائج حسم المنازعات، وهو ما يؤدي في حصيلته لتحقيق الأمن القانوني، إلا أنه -وفي المقابل- وكما أشار جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- فإنَّ مواصلة التطوير والبناء وتحقيق الأهداف المستقبلية يسترعي لِزَاماً تطوير منظومة القوانين والتشريعات لتواكب المتغيرات المعاصرة؛ كوننا جزءًا حيًّا من هذا العالم نتفاعل معه ونتأثر به ونؤثر فيه، وهذا التطوير يجب أن يكون مدروساً بعناية، واضحاً في أهدافه، سامياً في غاياته، ومحققا للرؤية المستقبلية "عُمان 2040"؛ وذلك كله دون إخلال بالتوقعات المشروعة للمتأثرين به.

ورغم أنَّ الدولة تملك السيادة المطلقة في تشريعاتها الداخلية وتُصدرها بإرادة منفردة تحقيقاً للمصلحة العامة، إلا أنَّ إيجاد الجاذبية الاقتصادية والانفتاح على العالم يستوجب مُواءمة تشريعاتنا المحلية مع ما هو معمول به دوليًّا وفق أفضل الممارسات؛ وبالتالي فإنَّ المهمة المقبلة في هذا الجانب لن تكون سهلة لأن نطاق التطوير سيمتد ليشمل كافة المجالات، ولن يقتصر على مجالٍ مُحددٍ بعينه، سيما وأنَّ توجيهات جلالته -أبقاه الله- ورؤيته واضحة تجاه إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وهذه الهيكلة سيصاحبها بلا شك دراسة شاملة ودقيقة لبحث مدى تداخل التشريعات والصلاحيات وأسس فك هذه التداخلات، ومن ثمَّ رسم مسار التطوير المنشود، وإيجاد الأطر والقواعد القانونية الجديدة الناظمة له؛ وبالتالي لابد أن تكون هذه القواعد القانونية الجديدة مرآة للرؤية المستقبلية، وأن يُخَطط لبقائها ثابتة ومرنة في الوقت ذاته؛ بحيث لا تخضع لتغييرات متكررة أو غير متوقعة، وأن تستمرَّ في تكريس مبادئ المساواة والشفافية، وتجنب جميع أشكال تضارب المصالح؛ تعزيزاً للنزاهة.

وينبغي أن تتميز -هذه التشريعات- بسهولة فهمها والوصول إليها، وأن لا تناقِض بعضها البعض، وأن لا تنسحب آثارها على الأفعال السابقة، وأن تُرَاعِي استقرارَ العلاقات التعاقدية، وأن تكون واقعية ومنطقية لا أن تطلب المستحيل؛ فبذلك تتحقق العدالة ونصل إلى مرحلة الأمان القانوني. أما الإخلال بأي من هذه المبادئ، فسيقودنا لمخاطر جمَّة تهتز بها الثقة بالأمن القانوني، ولتجنب ذلك فإنَّ الأمر لا يقتصر على تجويد مخرجات صناعة وصياغة القوانين والتشريعات فحسب، بل يمتد إلى تجنب الوقوع في عدد من المحاذير؛ مثل: تضخم التشريع و/أو التعقيد المبالغ فيه للقواعد القانونية، و/أو عدم جودة الصياغة التشريعية وصعوبة فهمها، و/أو الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، و/أو المغالاة في الاستثناءات، و/أو منح الصلاحيات دون مُحدّدات، كل هذه الأمور -إضافة للتأخير في إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين- تؤثر سلبًا على الثقة بالأمن القانوني.

وحتى نصل للغاية المنشودة، فإن الأمر يحتِّم علينا تضافر جهود الجميع، كل في نطاق عمله من خلال المساهمة في التحليل المنطقي للواقع العملي، وإبراز التحديات بكل شفافية لإيجاد الحلول المناسبة لها، كما يحتِّم تفعيل اليقظة القانونية لدى جميع الجهات لتقييم فاعلية النصوص التشريعية من واقع التطبيق العملي، فصناعة القوانين والتشريعات تبدأ من الواقع العملي صعوداً إلى الرؤى والأفكار المستقبلية.

وختاماً.. وأمام ما تقدم، فإنَّه لزاماً علينا أنَّ نعاهد الله والسلطان على أن نواكب التغيير، وأن نُسهم في التطوير، وأن نتعامل مع مقتضيات هذه المرحلة من عُمر النهضة المباركة بما يتطلبه الأمر من إصرارٍ راسخٍ وتضحياتٍ جليلة، لا أن نقف جامدين أو مقاومين للتغيير.

تعليق عبر الفيس بوك