توازن موضوعي للتاريخ!

 

يوسف عوض العازمي

 

"إنّ التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق" ابن خلدون.

 

لدارسي وباحثي التاريخ أساليب متعددة، بحسب الباحث والفترة التاريخية المدروسة، وقد تميز الكثير من الباحثين كل في تخصصه وأضافوا الكثير لعلم التاريخ، خصوصا" في التخصصات الدقيقة، التي أجاد الكثير من الباحثين سبر أغوارها، وحبك ألفاظها، حتى رأى قراء ومهتمو التاريخ أطروحات وكتب وأبحاث غاية في تحري الدقة، ولها الوجاهة العلمية في طرح وسبك الموضوعات التي تتحدث وتنقل أحداثا تاريخية ومعلومات مضى عليها آلاف ومئات السنين، ولولا المنهج العلمي القويم المستخدم في البحث وتحري المصداقية لما وجدنا مؤلفات نفيسة في هذا العلم الزاخر.

من الأمور التي تثير الانتباه أنّ هناك أحداثا تاريخية حديثة أو معاصرة لا يمكن بحثها في نقاش عام لخصوصيتها، وللظرف الزمني والسياسي الخاص بها، لذا يذهب الكثير من الباحثين إلى استحسان عدم نشرها للعامة، وترك بحثها والقراءة بها ودراستها للمتخصصين أو المهتمين أو دارسي التاريخ، وقد يكون في ذلك وجاهة وارتقاء لأنّ ليس كل ما يعرف يقال، وأيضا" لكل مقام مقال، وأتذكر أثناء حوار مع أحد الباحثين المميزين قال لي عبارة مهمة جدا" وهي: "يلزمنا الكثير من الشجاعة لنتجاوز أخطاء وخطايا التاريخ وقبل تلك الشجاعة، لابد من تأسيس أرضية قوية من الوعي وتقبل الآخر، وألاحظ أنّ هنالك الكثير من الباحثين يؤلفون عن تاريخ معين محاولين خلق صورة مجتزأة من خلال التركيز على مكون والتجاوز على مكونات أخرى من المجتمع " انتهى كلام الباحث.

في الأحاديث والحوارات حول التاريخ خاصة مع المهتمين بدراسات وأبحاث التاريخ، نستشف عدة بوادر وخطوط عامة نستطيع من خلالها عمل أنموذج مختصر للعمليات البحثية لحيثية التاريخ وتأريخه، نتحول لتعريف موجز وهو أنّ التاريخ هو تفاعل بين ثلاثة (الإنسان/ الزمان/ المكان)، وكل حالة يتم بحثها موضوعيا" كرقم واحد غير مرتبط بأرقام أخرى، مثال:

الفترة التاريخية للدولة أ (رقم 1).

الفترة التاريخية للدولة ب (رقم 2).

وهكذا نستطلع فترات التاريخ ونربطها ببعض من خلال تصنيف مبتكر سهل التجزئة ويسير الفهم، عندما نتداخل مع مجريات التاريخ نجد أنّه في الحقيقة حسبة رياضية "موجبة" أحيانا وأحيانا أيضا "سالبة"..!

الحسبة الموجبة: الحدث التاريخي المتأكد من حيثياته موضوعا "وشكلا".

الحسبة السالبة: الحدث التاريخي المثير للجدل حول تأريخه و "ربما " مكانه، كذلك عناصر الحدث، حيث تكثر الروايات حوله (مع/ ضد/ حياد مصطنع" لأنّ الحدث أساسا "مثار جدل")

هناك من الباحثين المجتهدين من يضع أطرا "لكل حدث (كما فهمت) والحقيقة الحدث التاريخي - أي حدث - يحتاج رؤية تبحث في ما قبله و ما بعده (أي النتائج) حتى يتحقق البحث الموضوعي النزيه الواصل إلى نسبة مناسبة من المعقولية.

حوارات التاريخ وجدليّاته لا تنتهي مثله، وكل يوم تظهر لنا معلومة تاريخية جديدة، وأعتقد أنّ التركيز على التحليل التاريخي يعطي توازن موضوعي، ويقرب مسافات عديدة بالسياق نفسه، مما يعين الباحث على استخراج واستكشاف الجديد مما لم يتم كشفه.