الكلفة الاقتصادية لفيروس كورونا الجديد 1-2

 

عبيدلي العبيدلي

سيطرت أخبار تفشي وباء النُسخة الجديدة من فيروس "الكورونا"، على وسائل الإعلام العالمية، بفضل ما تحتله الصين من حيِّز واسع في ساحة العلاقات العالمية، وعلى وجه الخصوص الاقتصادي منها. رافق ذلك انتشار موجة هلع غير مسبوقة، على مستويين: أفقي على الصعيد الدولي الشامل، وعمودي في نطاق كل دولة على حدة، إن لم يكن على مستوى كل مدينة بشكل منفرد. مصدر كل ذلك الفزع، غير المسبوق، تلك السرعة المذهلة التي انتقل بها الفيروس من دولة إلى أخرى أولاً، وعدم توفر لقاح مضاد مضمون التأثير على هذه النسخة الجديدة التي طورت نمطاً لا تتوفر المضادات له، في الوقت الحاضر، ثانيا وليس أخيرا.

الملفت للنظر، تلك الاجتهادات التي لم تكف عن ترويج تفسيراتها، المتباينة، والمتضاربة في بعض النسخ منها، التي سعت، بشكل لافت، إلى تفسير ذلك الظهور المفاجئ لهذه النسخة الجديدة من الكورونا، والتبعات المتوقعة لانتشارها، التي فاقت في سرعة انتشارها، والحصانة التي تمتعت بها، أي وباء آخر عرفه المجتمع البشري. وهنا كمنت خطورته، وشدة الهلع الذي سببه.

البعض رأى فيه ظاهرة طبيعية مصدرها إهمال بشري غير متعمد، لا يستبعد أن يكون قد حصل في أحد معامل البحث التابعة لواحدة من شركات تصنيع الأدوية في الصين. أو ربما يكون مصدره تشكل تلقائي لبيئة مناسبة تكاملت على نحو عفوي، مع ذلك الإهمال، وكانت الصين الحاضنة لها، والتي كانت كثافتها السكانية أولا، وحجم تعاملها الدولي ثانيا، السببين الرئيسين وراء سرعة انتشاره على المستوى المحلي أولاً، والعالمي ثانياً.

لكن هناك من ذهب إلى أن تسرب الفيروس من معهد بحوث صيني، يطور نوعا معينا من "الأسلحة البيولوجية"، ولسبب ما غير معروف، تجاوز ذلك الفيروس، لسبب غير معروف أيضاً جدران ذلك المعمل، فكانت النتيجة المنطقية ذلك الانتشار غير المتوقع. هذا التفسير لا يقف عند هذه الحدود، بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ويتهم الصين، بأنها وراء تجربة عملية، شبيهة بما قامت به الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت قنابل نووية على عدد من المدن اليابانية، بهدف هزيمة دول المحور أولاً، وقياس تأثير القنبلة ثانيا.

وعلى نحو مواز لتلك التفسيرات، وبينما انشغل الفرد العادي بمتابعة أخبار انتشار الفيروس، وإحصاء عدد ضحاياه، سواء أولئك الذين قضوا، أم الذين حالفهم الحظ وتشافوا، سارعت مراكز الدراسات، ومؤسسات البحوث، وعلى وجه التحديد، تلك المراقبة للأسواق المالية، وكذلك التي تحاول استقراء مستقبل الاقتصاد العالمي، بما فيه أكبر اقتصادين: الصين والولايات المتحدة. وجاء فيها الكثير من المفاجآت، المشوبة بمسحة من التشاؤم، سواء في حجم الكلفة المباشرة، أو عند محاولة حصر تداعياتها المستقبلية.   

على مستوى كل صناعة على حدة يمكن تسليط الضوء على صناعة الطيران كنموذج صارخ على تلك الخسائر، كونها أكثر الصناعات، وأشدها سرعة في التأثر به. فقد نقل موقع "سكاي نيوز" العربي تقريرا نشرته "الهيئة الدولية للنقل الجوي" (IATA)"، حاصية ما يحتمل أن تتكبده تلك الصناعة، من خسائر مباشرة جراء "انخفاض الطلب على السفر، الذي يسببه تفشي فيروس (كورونا)"، إذ "تتوقع الهيئة أن انخفاض الطلب على السفر في ظل تفشي الفيروس القاتل، قد يكبد شركات النقل الجوي العالمية عشرات المليارات من الدولارات، (مشيرة) إلى أن شركات الطيران في آسيا والمحيط الهادئ ستكون الأكثر تضررا، وقد تخسر ما يقارب 28 مليار دولار من عائداتها هذا العام، فيما ستتراجع مبيعات شركات الطيران الأخرى بنحو 1.5 مليار دولار".

أما على المستوى السياسي، وتحديدا على مستوى الصين، وهي البلد الأول الذي أعلن عن تفشي الوباء فوق أراضيه، من الطبيعي، فكما يشير الكاتب الصحفي، حسن الأحمري، من المتوقع أن ينخفض "الإنتاج في الصين خلال فترة انتشار الوباء فإنَّ صادراتها ستقل وبالتالي سيتضرر الميزان التجاري وأيضا ميزان المدفوعات بشكل مؤقت.

وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، خفض اقتصاديون من توقعاتهم للنمو الاقتصادي بالصين بنحو 1% بفعل التبعات المتوقعة للفيروس على الأنشطة الاقتصادية بالبلاد.

كما تصاعدت، كما تنقل وكالة (رويترز) للأنباء "التكاليف الاقتصادية والتبعات الدبلوماسية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، إذ انخفضت قيمة الأسهم الصينية بنحو 400 مليار دولار وفي الولايات المتحدة، توقع تقرير حديث صادر عن غولدمان ساكس أن يتسبب كورونا "في اقتطاع نحو 0.5% من نمو الناتج المحلي الأمريكي بالربع الأول من العام الجاري إذا لم يتم احتواء الوباء على نحو سريع".

وعلى نحو مباشر، وكما ينقل موقع "24:" الإلكتروني"، فقد "ارتفعت تكلفة تأمين الانكشاف على الدين السيادي للصين إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف أكتوبر 2019، وسط مخاوف مُتصاعدة من الأثر الاقتصادي المُحتمل لتفشي الفيروس التاجي. وقفزت عقود مقايضة مخاطر الائتمان الصيني لخمسة أشهر أربع نقاط أساس، .... لتصل إلى 41 نقطة أساس".

هذا ما دفع نائب مُحافظ بنك الصين إلى المسارعة بمُخاطبة الصحافة العالمية كي يؤكد تعهد البنك، باتخاذ، "إجراءات إضافية من أجل دعم النمو الاقتصادي في البلاد بسبب المخاوف من تأثير فيروس الكورونا على النمو الاقتصادي في الصين، مضيفاً أنَّ هذه الإجراءات تتضمن تعزيز السيولة في الأسواق، بالإضافة إلى خفض التكاليف على الشركات".

وهرع المستثمرون القلقون، فسارعوا إلى محو "نحو 400 مليار دولار من قيمة الأسهم الصينية وهبط مؤشر شنغهاي المجمع نحو ثمانية بالمئة في أسوأ أداء ليوم واحد في أكثر من أربع سنوات. جاء ذلك رغم ضخ البنك المركزي الصيني أكبر قدر من السيولة في الأسواق المالية منذ 2004، حيث ضخ 1.2 تريليون يوان (173.8 مليار دولار) في الأسواق عبر اتفاقات إعادة شراء عكسية للسندات".