عُمان راسخة.. ثوابت لا تتغير

 

زين حسين الحداد

في مُختلف الأزمان وعلى مُختلف الصُّعد، تتعرَّض الأمم والدول للكثير من الأزمات التي تجبرها على تغيير سياساتها الداخلية أو الخارجية؛ منها بسبب المصالح الوقتية، ومنها بسبب تبدُّل الحاكم، ومنها بسبب الحروب... وغيرها من الأسباب، إلا أنَّ عُمان لا تغير ثوابتها أبدًا رغم تغيُّر الظروف؛ فهي دائما تدعم التعايش السلمي بين الشعوب وحُسن الجوار واحترام سيادة الدول ودعم التعاون الدولي.

امَّا على المستوى الداخلي، فأعظم ما تتميَّز به عُمان هو التسامح الديني؛ فمنذ القدم وعُمان مثالٌ رائعٌ للتعايش المذهبي، ولم يكن أمرًا جديدًا على أهل عمان كما يعتقد البعض؛ ففي سنة 1261 هجري الموافق 1845 ميلادي، أصدر السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي أوامر بعدم التعرُّض للمذاهب الدينية في عُمان وزنجبار وسائر البلاد، حتى اشتهر وأصبح سُنة لمن أتى بعده.

وفي عصر النهضة المباركة، ولجسامة جريمة ترويج كل ما يُثير النعرات الدينية أو المذهبية، فقد أدْرَجها المشرِّع العماني في قانون الجزاء عند صدوره في العام 1974م، ضمن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، وعاقب مرتكبها بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات استناداً لنص المادة 130. ‏ومن أهم مقولات السلطان الراحل قابوس -رحمه الله- التي تنبُذ التعصُّب المذهبي في العام 1994: "إنَّ التطرُّف مهما كانت مسمياته، والتعصُّب مهما كانت أشكاله، والتحزُّب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة، ترفُضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبداً أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق".

فكان هذا النهج سِمَة للعماني أينما ذهب؛ فلا فرق بين مواطن وآخر، والكل تحت مظلة عُمان العظيمة، وستظل على هذا النهج ترفض كل خبيث بفضل الله وجهود المخلصين. وأتت الأرقام التي تؤكد أن السلطنة خالية من خلايا الإرهاب، وكل هذا لم يأتِ من فراغ، بل بفضل القيادات الحكيمة والشيوخ المصلحين والشعب الواعي؛ فالجميع في خندق واحد خلف إعلاء اسم الوطن.

ولأنَّ الإنسان مُكرَّم لذاته دون الالتفات لدينيه أو مذهبه؛ فالجميع مشترك في الإنسانية قبل كل شيء، ولا يجوز هضم حقوق الآخرين بمجرد الاختلاف، ويجب علينا جميعا نبذ أي نوع من أنواع الفرقة، وإخراس كل من يحاول إدخال الفتن بأنواعها -كانت مذهبية أو قبلية أو مناطقية- ولنا في الشعوب الأخرى أمثلة يجب أن نستفيد منها، ونحمد الله على هذه النعمة العظيمة؛ ففي وقت سابق مزَّقت الحرب الطائفية أوروبا لمدة ثلاثة قرون وكانت الخسائر فادحة، ولم تأتِ نهضة أوروبا إلا بعد نبذ التطرف بينهم؛ فقام الاتحاد وقامت أوروبا.

حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها نحو نهضة ثانية متجددة شامخة، ونسأل الله أن يُنجِّينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.. إنه على كل شيء قدير.

تعليق عبر الفيس بوك