أنيسة الهوتية
وفيَّات كورونا وصل عددها إلى 1673 شخصا تقريبا، حسب التصريحات الأخيرة بتاريخ 16 فبراير 2020، وتمَّ تسجيل 2003 حالات إصابة جديدة، والتي إجماليها في الصين يتعدى الـ66 ألفاً! أمَّا حالات الوفاة خارج الصين، فهي واحدة فقط لسائح صيني ثمانيني تُوفِّي في فرنسا، والتي أعلنت عنها وزيرة الصحة الفرنسية أنييس بوزين يوم السبت 15 فبراير 2020.
ورغم العدد الكبير من الضحايا والوفيات، إلا أنَّه ومع تعداد الصين الهائل الذي يصل إلى 1.23 مليار نسمة، تبقى الجهات الصينية المسؤولة مستمرة بإعلان الاطمئنان في وسائل الإعلام المحلي، بأن الفيروس قيد السيطرة بتعليل أن نسبة الإصابات مع نسبة السكان لم تصل حتى إلى 0.4%، مع نشر ثقافة الوقاية بوضع الكمامات وعدم الخروج من المنازل للازدحامات.
وأيضا أغلب الإصابات تنحصر في مدينة ووهان، والتي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، وووهان عاصمة مقاطعة هوبي، وهي من أكثر مدن الصين اكتظاظاً بالسكان!
ومدينة ووهان هي البؤرة التاريخية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، والتي بدأت الانتفاضة فيها ضد أسرة تشينج، ونجحت في إسقاطها عام 1912م، وبذلك انتهت إمبراطورية تشينج بذات الطريقة التي قضت فيها على إمبراطورية مينج -التي فتحت باب الصين للحضارة والثقافة الإسلامية- على يد قائدهم "نورهس" الذي كان تابعاً لأباطرة مينج ومن ثم غدر بهم وهو بينهم، وحسب الأساطير التاريخية أنَّ فتنة الحرب الخفية اشتعلت بين أسرتي تشينج ومينج بسبب خلافات العمال المسلمين في المناجم!
وطبعًا لم تكُن هذه أول ثورة ضد إمبراطورية التشينج؛ فالثورة الوحشية كانت بقيادة "والي خان" عام 1857م، وهي آخر ثورات "الخوجة"، وحسب التاريخ الصيني فإنَّ "والي خان" قد قتل الكثير من الأبرياء المسلمين بوحشية وإحدى الروايات تقول بأنه طلب سيفا من أفضل الحرفيين الصانعين للسيوف، وعندما أتى الحرفي مع ابنه ليقدم له السيف، أخذه وقطع رأس ابنه بضربة واحدة أمامه، ثم قال بكل برود: "إنَّه سيف جيد حقاً" ثم قدم للحرفي هدية بائسة.
وفي عهد أسرة تشينج كان يسمح للمسلمين ببناء المساجد في المدن الكبيرة مثل بكين، غوانزو، هانغتشو وشيان... وغيرها. وكان المسلمون يشغلون مناصب حكومية كثيرة ذات أهمية خاصة في الجيش، وحفظ للمسلمين حقوق المعيشة المتساوية مع غيرهم. ومن منتصف القرن السابع عشر إلى بداية القرن الثامن عشر، والتي كان فيها العقود الأولى من إمبراطورية التشينج التي ساعدت في نشر الصوفية في جميع أنحاء شمال غرب الصين.
ومن الأمور التي فاجأتني في قراءة تاريخ إمبراطورية التشينج أن الإمبراطور قد وضع قانوناً يحظر فيه العلاج الروحي، والسحرة، والشعوذة وجميع الخرافات بغرامات مالية وأحكام قضائة تؤدي للسجن إلى سنوات عديدة.
وعندما ازداد المبشِّرون المسيحيون في الصين بعد "حرب الأفيون" أمر الإمبراطور بحبسهم وقتلهم وإرسالهم كعبيد إلى القادة المسلمين في الجبهات الحربية!
ونرجع إلى "ووهان"، والتي كانت لفترة وجيزة هي عاصمة الصين الشعبية في العام 1927م، وأيضا في العام 1937م لفترة وجيزة خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية. واليوم، تعتبر مركز نقل رئيسيًّا؛ لأنها تربط عددا كبيرا من سكك الحديد، وهي مركز الاتصال بالمدن الأخرى، ناهيك عن أنها مركز سياسي، مالي، اقتصادي، تعليمي، ثقافي وتجاري لوسط الصين! وأنَّ العامة يلقبونها بـ"شيكاغو" الصين. وفيها أكبر محطة كهرباء في العالم، وفيها أكثر من 350 معهدا للأبحاث بجانب 1656مؤسسة للتكنولوجيا الفائقة، والتي في عام 2018م أنتجت 224 مليار دولار للصين!
فإذن، ومع إغلاق هذه المدينة لأبوابها، قد تم إغلاق أكبر باب اقتصادي تجاري للصين.