المنتدى الفكري السنوي السادس

عبيدلي العبيدلي

 

كما عَوَّد الأعضاء، وكذلك الأصدقاء، عَقَد المنبر التقدمي في البحرين الدورة السادسة من "منتداه الفكري السنوي". وشكل هذا الالتئام مناسبة دورية تلتقي فيها مجموعة من المثقفين، والنشطاء السياسيين، والأكاديميين الخليجيين، كي يُعالجوا قضية معينة يرى "المنبر التقدمي"، إنَّها تشكل هاجسا من هواجس المواطن الخليجي.

توزعت أعمال اللقاء على ثلاث جلسات، إضافة لكلمة الأمين العام لـ"المنبر التقدمي" خليل يوسف، التي لم يتوقف فيها عند الكلمة الترحيبية فحسب، بل كانت جولة سريعة مكثفة، عالج من خلالها مجموعة من القضايا التي تمس الأوضاع الاقتصادية في الخليج، بعد أن مزجها بنكهة سياسية.

إثرها، انتقلَ المشاركون إلى ورقة الباحث العماني سعود بن عبدالله الزدجالي، التي حملت عنوان "درجة استيعاب التخطيط التنموي في سلطنة عمان للتنمية الإنسانية وأثرها في الواقع من خلال الخطط الخمسية  (1-6).

استهلَّ الزدجالي ورقته بمُقدِّمة حدد فيها الإطار الزمني الذي تغطيه الدراسة وأهدافها، قائلا: "ستحدد هدفها (الدراسة) بالبحث والتحليل والتتبع للمؤشرات الإنسانية في الفترة التخطيطية المحددة، وانعكاس ذلك في حل الإشكالات والتحديات المختلفة في الراهن العماني. فهي تعتمد منهجا وصفيا تحليليا يراوح النظر بين النظرية والتطبيق، والتخطيط والتنفيذ، ومن خلال الوقائع والمصادر الحكومية... وغيرها. وسوف تتحدد مدونة الدراسة بمجموع الخطط الخمسية من الأولى (1976-1980)، وحتى السادسة (2001-2005). وتهدف هذه الدراسة التحليلية إلى الكشف عن استيعاب المخطط لأهمية المؤشرات والأبعاد الإنسانية مقارنة بالأهمية الاقتصادية، وما يرتبط بذلك من مآلات واقعية، (بالإضافة إلى) الكشف عن المفاهيم الإنسانية والاجتماعية، وخدماتها في التخطيط التنموي الشامل. (و) إدراك العلاقة بين الأطر التخطيطية، والواقع بمشكلاته المتعلقة بالنمو الإنساني وقضايا التشغيل، وجودة الخدمات الصحية، والتعليم.

وختم الزدجالي ورقته بلفت الأنظار إلى مسألة في غاية الأهمية وهي غياب معالجة "الذهنية الاستهلاكية" التي باتت تسيطر على سلوك المواطن العماني، وشكلت ظاهرة خليجية ملحوظة.

أمَّا الجلسة الثانية، فكانت من نصيب ورقة الشاب الكويتي سالم عادل شهاب، وتحت عنوان "قراءة نقدية لبعض المعالجات الاقتصادية الحكومية في الكويت". انطلق شهاب في ورقته قائلا: تعتبر "استدامة التنمية الاقتصادية أحد أبرز التحديات التي تواجه دول العالم بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي. فخلال العقدين الماضيين تأثر العديد من الدول الخليجية بتذبذب أسعار النفط وانخفاضها؛ مما أدى إلى البحث عن مصادر بديلة للدخل عن بيع وتصدير النفط... (متوقفا عند) شح الموارد الطبيعية، وعدم تناسب إيرادات الحكومة من بيع النفط والغاز مع عدد السكان، إضافة إلى عدم وجود بدائل وحلول حقيقية لاستحداث مصدر دخل جديد، (هذا يؤدي إلى أن) تلجأ الحكومة إلى الاقتراض، إما عن طريق اصدار سندات، أو من خلال الاقتراض المباشر. أدى ذلك إلى تدهور الحالة المالية للدولة".

استنتاج مهم تخرج به الورقة في خاتمتها تقول إنه "في الوقت الذي نلقي به الجزء الأكبر من اللوم على الحكومة وسوء إدارتها، واستمرار هدرها للمال العام، ينبغي أن نلقي جزءا من اللوم على العديد من التيارات السياسية والحركات النقابية، وعجزها عن خلق وعي طبقي قادر على التصدي للممارسات الحكومية".

أما العضو القيادي في "المنبر التقدمي" عبدالجليل النعيمي؛ فقد استهل ورقته الموسومة "تحديات التنمية الخليجية في عالم مضطرب"، بمقدمة مكثفة عن "وضع الاقتصاد العالمي: والأزمة الاقتصادية العالمية"، نقل فيها توقع الكثير "من الاقتصاديين ورجال الأعمال قرب اندلاع أزمة عالمية جديدة، ربما شبيهة بأزمة 2008-2009، (وربما) تفوقها حجما، لتذكر بالكساد العظيم الذي ضرب العالم في ثلاثينات القرن الماضي". لكنه يستدرك قائلا: "متى ستندلع الأزمة بالضبط؟ لا أحد يعرف. لأن عوامل كثيرة يمكن ان تقدم او تؤخر، بما في ذلك قرارات السياسيين".

ينجح النعيمي في اللفت إلى قضية تنموية في غاية الأهمية حين يقول في ورقته: "طبيعي أن خطط التنمية الاقتصادية - الاجتماعية لن تؤدي وظائفها الحقيقية دون توافر مواصفات العلمية وآليات التنفيذ والتزمين (إشارة إلى الزمن) الملزمة، إضافة للرقابة الفعالة والمساءلة. وفشل التطبيقات في تجارب سابقة لا يلغي ضرورة وجود الخطة. ويجب أن تراعي الخطة خلق توازن فعال وتفاعل عضوي بين قطاعات الاقتصاد الوطني لصالح الجانب الإنتاجي، وبدرجة أولى الصناعي، وتغليب وجهة القطاع المالي لتمويل المشاريع الإنتاجية لتحويل (فائض) التراكم المالي إلى تراكم فعلي لرأس المال وتنويع القاعدة الاقتصادية على هذه الأسس".

نجحت الأوراق -رغم وقوفها عند المدارس الاقتصادية التقليدية، عند معالجتها لقضايا التنمية- في أن تثير حوارا إيجابيا، غنيا، ومحفزا قادرا على تسليط المزبد الأضواء على المشكلات التي تواجه خطط التنمية الخليجية، بعد أن شخَّصت التحديات التي تواجه مثل هذه الخطط، وتعرقل المشروعات التي تنبثق عنها.

هذا من جانب، لكن من جانب آخر، لا بد من تقويم لقاءات هذا المنتدى من زوايا أكثر شمولية، واتساعا نلخص أهمها في النقاط التالية:

- الاستمرارية الدؤوبة التي نجحت في الإبقاء على "المنتدى" لست سنوات متواصلة. ففي هذه المرحلة، من التاريخ العربي المعاصر، التي يعاني خلالها نشاط منظمات المجتمع المدني العربية من خمول له ما يفسره، تأتي فعاليات "المنتدى"، على شكل كوكب أمل يضيء سماء ذلك الخمول، ويبعث الأمل، كي يتصدى لما ينشره ذلك الخمول من سلوك تشاؤمي يضاعف من حدة ذلك الخمول، وينذر بضمور، ومن ثم شلل، تلك المنظمات التي تعاني منه.

- طبيعة الموضوعات التي يختارها "المنتدى"، لكل لقاء من لقاءاته السنوية، التي تحرص، على نحو واع، أن تندرج، أولا، في أعلى سلم أولويات هموم المواطن الخليجي الملحة، وقادرة على مخاطبة دوائر صنع القرار في الخليج العربي، كونها تمس قضية تكمن في صلب القضايا التي تواجه تلك الدوائر.

- منهجية معالجة تلك الموضوعات المختارة، التي نجدها، بفضل ذهنية من يقوم بإعداد أوراقها، تتحاشى أن تكون ضحية الإغراق في المعالجة الأكاديمية الجافة، على أن يتحقق ذلك دون التفريط في الرصانة العلمية، مما يجعلها قابلة للهضم من لدن القارئ العادي، ومثيرة للتساؤلات عند المطلع المختص.