محاولات تصوير باريس باعتبارها "رادعا أوروبيا" تصل إلى حائط سد

"جارديان": طموحات ماكرون النووية بعد "بريكست" مآلها إلى الفشل

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

ترى ريبكا جنسون الكاتبة في صحيفة ذا جارديان البريطانية، أنّ طموحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتعلقة بالأسلحة النووية مصيرها الفشل، بعد إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وقالت الكاتب في مقال رأي نشرته الصحيفة الإنجليزية، إنّه الآن وبعد أن تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، تحرّك ماكرون، سريعًا لوضع الأسلحة النووية الفرنسية في مقدمة السياسات الدفاعية للاتحاد الأوروبي. ففي خطاب دام ساعة يوم الجمعة دعا الرئيس الفرنسي إلى إجراء حوار أوروبي حول الدفاع والردع على أساس القوة الفرنسية لإزالة الأسلحة النووية التي أطلقتها غواصات جوية، ودعا دول الاتحاد الأوروبي الأخرى للمشاركة في مناورات القوات النووية لبلاده.

إنّ هذا التوجه يمثل إحياءً لرؤية الاتحاد الأوروبي بعد رؤيته التي حملها الزعماء الفرنسيون المتعاقبون، الذين سعوا إلى وضع سياسات دفاعية للاتحاد الأوروبي تعتمد على الأسلحة النووية الأوروبية بدلاً من الولايات المتحدة وحلف الناتو. لعقود من الزمن، تم تهميش هذا الهدف من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين. شجع بريكست، ماكرون على إعادته إلى الطاولة وهذه المرة بشكل مثير للانتباه.

وسبق أن أحبطت ألمانيا والمملكة المتحدة الطموحات الفرنسية لتوفير دور الردع النووي في سياسة دفاعية متكاملة للاتحاد الأوروبي، والتي كانت أكثر ارتباطًا مع الناتو واعتبرت الولايات المتحدة أكثر موثوقية. كانت تلك الحكومات دائمًا حذرة من خطط فرنسا النووية، على الرغم من أنّ ديفيد كاميرون دخل بشغف في معاهدة Teutates لعام 2010 المبرمة مع فرنسا والتي مكّنت كلتا الدولتين المسلحتين نووياً من تبادل مرافق البحث والتعاون في مجال التكنولوجيا. كان الغرض الرئيسي من المعاهدة، مع ذلك، هو مساعدة البلدين على تقاسم الأعباء المالية للحفاظ على وضعهم النووي.

لقد تغيّر كل شيء الآن، مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم يعد للمملكة المتحدة صوت في الاتحاد الأوروبي، في حين أصبحت ألمانيا قلقة بشكل متزايد بشأن السياسات النووية للرئيس ترامب. في الأسبوع الماضي، أثار عضو بارز في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وهو حزب أنجيلا ميركل علناً "مسألة الأسلحة النووية الفرنسية كعنصر من عناصر الردع الأوروبي". ويبدو أنّ تلك الملاحظات قد تم تنسيقها مع فرنسا قبل خطاب ماكرون. من خلال وصف دور القوات النووية الفرنسية فيما يتعلق بالأمن الأوروبي والاستقرار و "الردع المناسب"، يحاول ماكرون توفير الطمأنينة. وإدراكًا للمخاوف الناشئة عن سباق التسلح النووي المعاد تنشيطه بين الولايات المتحدة وروسيا فيما تبذله من جهود لبناء المزيد من الأسلحة النووية "القابلة للاستخدام"، بما في ذلك جيل جديد من الصواريخ متوسطة المدى المعززة، وعد ماكرون بأنّ "فرنسا لن تشارك أبداً في معركة نووية".

كانت المحاولات السابقة لتصوير القوات العسكرية الفرنسية على أنها "رادع أوروبي" قد واجهت بابًا مغلقًا، من جانب المملكة المتحدة وألمانيا. الآن، في ظل حالة الفوضى التي يعانيها الناتو، والمملكة المتحدة مهمشة، وبوتين وترامب مشغولين بالتنافس مع بعضهما على جبهات مختلفة، تأمل ماكرون بوضوح أن تكون الدول الأوروبية الأخرى مستعدة للترحيب بالأسلحة النووية الفرنسية كضامن للأمن الإقليمي.

ويأمل ماكرون إضفاء الشرعية على الأسلحة والسياسات النووية لفرنسا قبل المؤتمر الاستعراضي الهام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 في أبريل. يعرف ماكرون والحكومات الأخرى المسلحة نووياً أنها ستواجه انتقادات شديدة لتقويضها معاهدة عدم الانتشار وفشلها في الامتثال لالتزاماتها الأساسية المتعلقة بنزع السلاح النووي.

ماكرون، الذي يتجاهل مظاهرات أصحاب السترات الصفراء والأزمات الاقتصادية في بلاده، في حاجة ماسة إلى فكرة كبيرة لصرف الانتباه عن تحدياته الداخلية، ويأمل أن تنجح رؤية توحيد أوروبا تحت مظلة نووية فرنسية وفي الحقيقة هذا لن يحدث.

وفي إحدى الدراسات الاستقصائية، قال 81% من المشاركين الفرنسيين إنّ استخدام الأسلحة النووية غير مقبول على الإطلاق. ويمثل وعد ماكرون بعدم الخوض في معركة نووية خدعة كبرى، فحيازة الأسلحة النووية ونشرها نتيجة طبيعة للاستخدامات النووية، كما أنّها تزيد من مخاطر سوء التقدير والأخطاء والحوادث، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.

وفي الوقت نفسه، انضمت حكومة بلدية باريس إلى مدن ودول أخرى في جميع أنحاء العالم في اتخاذ خطوات عملية لإنهاء الاستثمارات ذات الصلة بالأسلحة النووية والامتثال للقوانين الدولية التي تحظر الأنشطة التي قد تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى.

وختاما.. إذا كان ماكرون يريد حقًا المساهمة في الأمن الأوروبي، فعليه التأكد من أنّ فرنسا تفعل ذلك أيضًا.

تعليق عبر الفيس بوك