بنوك تعرقل القطاع الخاص!

إبراهيم الهادي

تستهدفُ الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، الرامية لتحقيق أهداف تنموية متقدمة، تنمية القطاع الخاص، وتمكينه من الإسهام في مسيرة التنمية الشاملة، والعمل على استدامتها، لكن يبدو أن لبعض البنوك -والكبيرة منها على وجه الخصوص- رأيًا آخر.

ففي الوقت الذي يضع فيه البنك المركزي العماني مُعدلات فائدة على الإقراض عند 5% أو حتى 6%، نجد بنوكًا تتعنت مع المستثمرين في القطاع الخاص، ولا تُقرضهم سوى بنسب تتجاوز الـ9%؛ ومنها ما وصل إلى 9.5%، وهنا نحن أمام أزمة حقيقية، وهي أنَّ جهات التمويل المنوط بها توفير السيولة للقطاع الخاص من أجل أن يضع بصمته في التنمية الشاملة، لا يستطيع أن يحصل منها على ما يحتاج إليه من قروض من أجل التوسع في مشاريعه، والتي من شأنها أن توفر المزيد من فرص العمل لشبابنا، وهي قضية رئيسية تسعى مؤسسات الدولة لوضع الحلول الكفيلة بمعالجتها.

وفي المقابل، تتوسَّع البنوك المحلية في القروض الاستهلاكية التي لا طائل منها، بل تتسبَّب في أزمة في القطاع المصرفي، في حال لا قدَّر الله حدثت أزمة ائتمان أو ما شابه، ولنا في الأزمة المالية العالمية للعام 2008 العبرة والعظة. والحق يقال إنَّ البنك المركزي العماني -ومنذ نشأته في العام 1974- وهو يسعى بكل طاقته إلى تحقيق التوازن الاقتصادي وإدارة القطاع المصرفي بحكمة ونجاح، ولا أدل على ذلك من السياسات النقدية التي أسهمت في تعزيز قوة الريال العماني، على الرغم مما يعتري عملات العالم، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، من تقلبات وتذبذبات نتيجة للأوضاع الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية، والأشد من ذلك مخاوف الركود العالمي الذي يلوح في الأفق.

ما الحل إذن؟

الحل يكمُن في إلزام البنوك المحلية بنسب فائدة محددة؛ فسقف الفائدة لا يجب أن يتجاوز المعادلة الاقتصادية المعروفة والمرتبطة بالتضخم، والتي تضع قاعدة بسيطة -دون تعقيد على القارئ الكريم- مفادها أنَّه كلما ارتفع التضخم زادت معدلات الفائدة، ولننظر إلى دول في أمريكا اللاتينية عندما قفز التضخم هناك لمستويات جنونية فاقت خانة العشرات، وفي فنزويلا خانة المئات والآلاف، فكان الحل رفع نسب الفائدة لامتصاص السيولة وخفض التضخم، وأيضا المثال كذلك في دولة عربية شقيقة مثل مصر، عندما ارتفع التضخم واقترب من مستويات مرتفعة وصلت إلى 40%، زادت نسب الفوائد بمعدلات وصلت إلى 19%.

لكن في المقابل، الاقتصادات التي تشهد معدلات تضخم منخفضة تتراجع فيها معدلات الفائدة دون 1%، بل في بعض دول أوروبا يصل سعر الفائدة إلى سالب 0.5%، أي أن المودعين يخسرون ودائعهم إذا ما وضعوها في البنوك!! وفي المقابل، يكون الاقتراض بنسب لا تتجاوز 1.5%. بينما نحن في عُمان، ورغم أن التضخم في مستويات متدنية منذ سنوات، إلا أن سعر الفائدة لا يزال مرتفعا، بل وتزيد بعض البنوك من النسبة، دون سبب منطقي واقتصادي واضح. لذا؛ فعندما نطلع على القوائم المالية للبنوك، نجد أن أرباحها التشغيلية تتحقق نسبة كبيرة منها من القروض، خاصة القروض الشخصية والبطاقات الائتمانية، وهذه كلها قروض استهلاكية، في مجتمع يعتمد في الكثير من استهلاكه على الوارد من الخارج، أي أن هذا الاستهلاك، والذي من المفترض أنه داعم للنمو في الكثير من الأنظمة الاقتصادية، لكنه في حالتنا نحن لا يدعم النمو الاقتصادي، لأننا ببساطة عندما نستهلك لا نحفِّز الإنتاج الصناعي، ولا نزيد من الرقعة الزراعية، ولا نوفر فرصَ عمل لمواطنينا، بل نزيد من أرباح شركات الاستيراد وننشط من مبيعات الدول التي نستورد منها!

نقطة أخرى أتحدَّث عنها في مسألة البنوك، وهي أنه لا يحق لأي مستثمر أجنبي أو عامل غير عُماني بعد أن ينتهي عمله في السلطنة أن يحتفظ بحسابه البنكي ليضع فيه ودائع مالية، والسؤال هنا: لماذا لا يُتاح ذلك وتستفيد السلطنة من تلك السيولة المالية؟ خاصة وأنَّ هؤلاء يريدون الاحتفاظ بأموالهم في عُمان لما تتمتع به أمن واستقرار فريدين في المنطقة. والأمر نفسه ينطبق على إتاحة المجال أمام استقبال الودائع من خارج السلطنة؛ مثل سويسرا وبريطانيا، والعديد من دول العالم التي تسمح لأي شخص يثبت أصل أمواله ليضخها في بنوكنا المحلية؟!

وأخيرا.. أشير إلى الإجراءات البيروقراطية الطويلة التي تستغرقها المؤسسات لفتح حساب مصرفي، وهذا تعطيل -كما ذكرت في عنوان ومقدمة المقال- للقطاع الخاص والاستثمار على وجه الخصوص.

الأكثر قراءة