ولادة قيصرية ثالثة

علي بن سالم كفيتان

كما يبدو أن المولود تعسرت ولادته فرغم محاولات كل أطباء الولادة المشهود لهم بخفة اليد ورغم الجهد العسير للأم إلا أن الرحم أقفل بابه أمام القادم الجديد ولم تجدِ عملية الاستعانة بعرافي الشرق الأوسط وكهنة المعابد المتحمسين لأهمية وصول ابنهم إلى الدنيا ككل البشر ففي كل مرة تسقط رجل منفردة فيتم إعادتها للرحم أملا في قدوم الرأس الذي استعصم وظل مرفوعًا للأعلى وكأن لسان الحال يقول الأبطال يولدون واقفين.  

نعم كان المشهد هزيلا ومخزيا وانتابنا شعور بالغثيان مما نرى فقد كان الأطباء والجراحون يتصورون مشهدا آخر، فهذا الفتح العظيم مقرر أن يحضره علية القوم وكبراؤهم ففي مناسبتين سابقتين أو بالأحرى ولادتين شهد عليهما القرن الماضي في نفس العيادة كان الحضور بهيجًا والخطب رنانة والمصافحات حارة رغم برودة الطقس في الشرق الأوسط في موسم الشتاء، ولم تجدِ تلك الولادات في أنجاب طفل سوي فقد ولد الأول وكان يعاني من متلازمة داون بينما هلاك الطبيبين من جراء صعوبة العملية المتعسرة تلك لكن من المؤكد أن الأم لا زالت حية وقادرة على الإنجاب مجدداً.

عندما يفشل الأطباء والجراحون العظماء في الغرب يستعينون بعرافين ودايات من الشرق الأوسط وما أكثرهم ففي الماضي كانوا يمنحون الوصفة ويدسونها في قطعة قماش بالية ويؤكدون على طالبها ألا  ينبئ أحد عنهم لأن البركة تزول بالمعرفة في قواميسهم، أما اليوم فقد تغير الحال رأسا على عقب فأصبح لا حرج أن نراهم في ردهات ممرات تلك المستشفيات يحملون شراشفهم الملطخة بتلك الولادات الصعبة وهم يفتخرون بأنهم أخرجوا الصبي إلى الوجود بعد جره برجل واحدة تاركين بقيت أعضائه للرحم ولا ندري ماذا سيفعلون بهذا العضو المنفرد فحسب رأي العرافين دفنه يوجب التأكد من موت الجنين فدفن البعض لا يعني فناء الكل في نواميسهم سننتظر الفتوى ولن نستعجل الدفن إذاً.

أما الولادة الثانية في تلك العيادة الشهيرة فقد كان أشهر أطبائها هم الأب والأم و...... ومع ذلك نصحهم كبير الأطباء وعراب الشرق الأوسط بأن يتخلصا من الجنين نهائياً بهدف سلامة الأم التي لن يكتب لها الإنجاب مستقبلاً بعد استئصال الرحم وافق الأب ورفضت الأم ومع ذلك احتفل الجمع في الحديقة الشهيرة وصفق العالم لهذا الفتح العظيم الذي كان بطله من يولول اليوم على القنوات الفضائية، معتبراً أن ولادة الابن الأخير ليست شرعية لأنه يعلم يقيناً أن الأم باتت بلا رحم فكيف لها أن تلد مجدداً لكن الظاهر أن الأم ولادة وكما تقول العرب "اللي خلف ما مات".

ما وضح لنا أن الحفل لم يكن بهيجاً ولم يتم تخصيص مقاعد للحضور بل طلب منهم البقاء واقفين مبتسمين لبضع دقائق لضرورات الإعلام وهذا ما فعلوه باحتراف أثناء إعلان نجاح العملية القيصرية التي أجراها طبيبان مهوسان بالولادات غير الطبيعة واتوقع بأن الرأي الشرعي حول تبعية المولود الجديد لم يعد مهماً، كما لم يعد مهما البحث له عن أسر رحيمة لتتبناه فالجميع باتوا يرمون أقلامهم لكفالته وحفظه من الضياع وسط هذا الكم الكبير من الإرهابيين.

كما لم يعد مجدياً كفالة الأب بعد أن بلغ سن التكليف ودفع له مال أبيه ولم يعد مجديًا كذلك أن يتمرغ هذا المدلل في النعم ويطلب المزيد تاركاً أمه تعيش على الكفاف ولم يعد مجدياً أن يُحمل الجميع سبب إخفاقاته وتنازلاته وصراعه مع أبناء جلدته على ما يقدم له من فتات العالم، فالأمر اختلف اليوم ولم يعد كالأمس عندما كان بيننا رجال رحماء كرماء كالبحر يتسامون فوق أخطائك وجشعك وتشغلهم أعين الصبية وأنين المسنين وصيحات الأمهات اليوم بات عليك أن تحزم أمرك لوحدك وأن تعيد التصالح مع أمك التي رفضت استئصال رحمها بعد ولادتك العسيرة لأنها لا زالت تحلم بولادات جديدة وعندها ستنظر ما نحن فاعلون.