رسائل الإعلام وأثرها

فاطمة الحارثية

المخضرمون من إعلاميي العالم يُدركون ما يقولون، ولماذا يقولون ما يُقال، نعم، مع تقديري للشباب، وثقتي بجيل الحاضر، ولكن يبقى التأثير الإنساني في المقال وتغطية الأحداث أمراً مهمًّا جدًّا يكاد يتماشى مع استقرار الشعوب بشكل مباشر وطرديا -بعد حين، الجيل الحديث سيصبح مخضرمًا، وسوف يُدرك ما أعنيه- فبعض الأمور لا يُمكن تعليمها، بل بالتجريب والممارسة تُفهم.

رُبَّ جُملة أو تعبير، في هذا الزمان الذي يبعث أثيره للناس كافة أن يُقيم جعجعة من فراغ وليس من اليسير مع كثرة الجرائد ووسائل الإعلام "الصفراء" فرض الصواب وإبقاء الثمين في ثرى الجهل والتغيب.

نشأتُ وأنا أرى الجريدة بين يدي الرجال، البعضُ منهم كانوا يتناولون الأخبار مع وجبة الإفطار، والبعض الآخر عصرًا، وثمة من يتابعها بشغف ليلا، هكذا دائمًا كان الأمر بعد زمن الحلاق وقبل ضوضاء قنوات التواصل الاجتماعي، لاحظوا معي أمرا، قيل ويُقال إنَّ ثرثرة النساء صاخبة، وتم إلصاق تلك الصفة بالنساء عامة، ولكن من يتتبع الواقع، يجد أنَّ من تربع على كرسي الحلاق كان رجلا، ومن كان يقتني الجرائد الصباحية والمسائية هم الرجال، أضف إلى ذلك أنَّ من يتصدَّر فتن وضجيج قنوات التواصل الاجتماعي أغلبهم رجال، فتن تكاد تهوي بالدول والعلاقات والسلام على الأرض، حتى أكاد أقول إنهم جميعا من خريجي كبرى الجامعات السياسية، غير أن الحقيقة أنهم يقولون ما لا يفقهون أو حتى يعلمون، في تناسق فريد مع إماعة المعيد لرسائلهم، لينشروا جهلهم كالنار في الهشيم.

فيا أهل الكلمة والقلم والصوت والصورة، يا من تضعون للحياة معالم وثقافة وفكرًا ونهجًا، أدركوا ما أنتم عليه، ولا تعيثوا في الأرض تشهيرا وفسادا، ولا تُسيئوا استخدام نعم الله عليكم فيُنزل سخطه، فتهيموا في الأرض لا ناقة لكم ولا سقف يستُركم. فالمال لن يدوم والفتنة لن تقوم، فلم يعد هناك من ينطلي عليهم جهلكم وسمومكم التي تُبث من على منابركم المزيفة البعيدة عن أوطانكم؛ فالبشر في آخر نهارهم يهمُّهم الأمان والسكينة، فكفُّوا ألسنتكم عن لغوٍ لا برهان لكم فيه ولا دليل، وانصرفوا في معاشكم، وإن استطعتم عودوا إلى أوطانكم لتعميرها، وانبذوا أرذل المال المحقن بالفتنة والدماء، فهو زائل، علما بأنَّ أعمالكم لن تزول.

... إنَّ كلَّ خبر -سواء كان مكتوبًا أو مرئيًّا أو إذاعيًّا- وجب أن يتفكر باعثه ويتصور أهداف فحوى الخبر والمفردات التي بلورت الفكرة أو ترجمة المشاعر، وما قد يعود عليه وعلى المتلقِّي من عموم الفائدة، فرُب كلمة تهدم عمرانًا ورب جملة تحقن دماءً لم تعِ ما وصلها جيدا؛ فالحقيقة أنَّ الكشف عن نية المرسِل والقصد فيما بلَّغ به ليس واجبَ أحد، خاصة في أخبار تمس حق الإنسان في الحياة والرخاء على أية رقعة من هذه البسيطة.

-------------------------

جسر:

رُبَّما أتناول كثيرا مَوْضِع الإعلام، لكن هل لأحد أن يلوم، إنه موضوع جلل، ينشُر الثقافة والفكر ويحدِّد مصائر الناس ومعرفتهم؛ سواء عن الحياة أو العلوم المختلفة، كما يُشكل قائمة مصاف التطوير والأولويات، علما بأنَّ الكثير من القرارات الاقتصادية والإدارية تتأثَّر بالإعلام بشكل جوهري وملموس، فخبر -وإن لم يتحقَّق أحد من صحته- قد يُدمر أسهم شركة ما، أو يرفع قيمة اقتصادية أخري.

للأسف، إنَّ إعلامنا الخليجي والعربي المُحِب "للثرثرة" عرَّض المنطقة لشبه انهيار اقتصادي، والدليل على ذلك عُزوف الكثير من المستثمرين عنا ونزوح البعض الآخر بعيدا، أضف إلى ذلك عدم استقرار الأسعار.. والأكثر من ذلك تحول المستثمر العربي ذاته إلى أسواق غير عربية!

لابد من صحوة إنسانية إعلامية..،