عُمان والتراث الثقافي العالمي

 

د.سليمان المحذوري

 

تحظى بلادنا بنصيب وافر من التراث الثقافي الإنساني بشقيه المادي وغير المادي، ولا غرابة في ذلك البتة؛ فعُمان بموقعها الجغرافي الفريد لها تاريخ عريق ضارب بجذوره في القدم، كما تُعد إحدى الحضارات العريقة في محيطها الإقليمي، وبالتالي كان للإنسان العُماني وما زال إنتاج حضاري، وإسهام واسع في الحضارة العالمية لا يُمكن أن تخطئه العين.

وقد نصّت المواثيق الدوليّة على أهمية صون وحماية التراث الثقافي العالمي باعتباره إرثًا إنسانيًا، فالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المعتمد من قبل اليونسكو والذي يُعنى بالتعليم تضمّن هدفًا فرعيًا صريحًا بشأن الترويج لثقافة السلام والمُواطنة العالميّة، وتقدير التنوع الثقافي، وتقدير مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة.

ومنذ فترة مبكرة أولت السلطنة التراث أهميّة خاصّة تمثّل ذلك في إنشاء وزارة التراث القومي والثقافة عام 1976م، كما أكّد على ذلك السلطان قابوس- رحمه الله - في كلمته التي ألقاها عام 2005م بمناسبة مرور ستين عامًا على تأسيس منظمة اليونسكو عندما قال ".. نولي تراثنا الثقافي بمختلف أشكاله ومضامينه:المادية وغير المادية أهميّة خاصة، ونُعنى به عناية متميزة؛ لما له من أهمية ودور ملموس في النهوض بالحياة الفكرية والفنية والإبداع والابتكار، ونبدي اعتزازنا بوجود مجموعة من المواقع الثقافية والطبيعية العُمانية على لائحة التراث العالمي والتي تمثل دليلًا واضحًا على مساهمة العُمانيين عبر العصور المختلفة في بناء الحضارات وتواصلها وتفاعلها مع الثقافات الأخرى..".

وكما هو واضح من هذه الكلمة فقد تكللت جهود السلطنة بالنجاح في إدراج مجموعة من مُفردات التراث الثقافي المادي وغير المادي ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي باعتبارها تراثًا عالميًا مشتركًا. واستنادً إلى كتاب "سلطنة عُمان الهوية الوطنية والتراث العالمي" الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم تمّ إدراج قلعة بهلاء عام 1987م، والمقابر الأثرية في بات ثم مواقع أرض اللبان(خور روري، مدينة البليد، محمية أشجار اللبان، موقع وبار)، إضافة إلى مجموعة من الأفلاج العُمانية مثل دارس والخطمين، والملكي والميسر والجيلة، وحديثًا أُدرجت مدينة قلهات الأثرية كتراث ثقافي مادي عالمي. أمّا في التراث الثقافي غير المادي فقد أدرجت السلطنة خمسة ملفات مشتركة مع دول أخرى مثل فن التغرود، والعيالة، والرزفة، والقهوة العربية، والفضاءات الثقافية للمجالس؛ فيما انفردت بثلاثة ملفات هي فن العازي، والبرعة، وعرضة الخيل والإبل، ومؤخرًا نجحت السلطنة في إدارج النخلة ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي إلى جانب عدد من الدول العربية. وفي عام 2017م تم تسجيل مخطوطة معدن الأسرار في علم البحار للنوخذا ناصر الخضوري ضمن سجل ذاكراة التراث العالمي في اليونسكو.

ولبلادنا كذلك جهود مقدّرة في مجال حماية التراث الطبيعي والحياة الفطرية حيث نجحت في إدراج عدة محميات طبيعية ضمن قائمة الاتحاد العالمي لصون البيئة مثل محمية جزر الديمانيات، ومحمية السلاحف، ومحمية المها العربية، ومحمية جبل سمحان وغيرها من المحميات. هذا إلى جانب اهتمام وزارة التراث والثقافة في البحث والتنقيب عن التراث الثقافي المغمور بالمياه. ونالت الشخصيات العُمانية نصيباً من الحضور ضمن الشخصيات المؤثرة على مستوى العالم؛ حيث تم إدراج أربع شخصيات تاريخيّة عُمانية في اليونسكو وهي: اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي، والطبيب راشد بن عميرة، والموسوعي الشيخ نورالدين السالمي، والفيزيائي ابن الذهبي، والشاعر أبومسلم البهلاني.

ومن خلال استعراض قائمة مُفردات التراث العُمانية المدرجة ضمن القائمة العالميّة يبدو جليًا مدى تنوعها ما بين ثراث ثقافي مادي وغير مادي، ومُفردات تنفرد بها السلطنة وأخرى مشتركة مع دول أخرى، ومواقع طبيعية، وشخصيات تاريخيّة؛ وهذا في حد ذاته يُعد إرثًا مُهمًا، وكنزًا ثمينًا يُمكن أن تستثمره السلطنة أيما استثمار خاصةً في مجال السياحة الثقافيّة كسياحة متفردة قلّ نظيرها في كثير من الدول.

ومن هنا ينبغي على الجهات ذات الصلة بهذا الملف الجلوس على طاولة واحدة، والخروج برؤية مشتركة، وخطة واضحة لاستثمار مجالات التراث الثقافي العُمانيّة المُدرجة ضمن مُفردات التراث العالمي.