حكاية قوم في عام

 

فاطمة الحارثية  

 

تكرر لأعوام كثيرا على مسمعي "حاولي أن تتأقلمي" دون أن يضع القائل منطقا وشرحا واضحا لمفهوم "التأقلم" هل هو تقبل الواقع بكل انحرافه أم قلب موازين "الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"! بل بلغ عند البعض أن يفسر الأمور على أنها من البديهيات، وأنّ ثمة خطأ وإن كنت لا أراه فمن المستحيل أن يكون الجمع من حولي على خطأ وأنا على صواب، لأعوام وبالرغم من أنني لا أرى ما يُفترض مني أن أراه لأقوم به، بقيت أعود إلى "أَحْسَنَ الْقَصَصِ" لأتماسك، هلك أقوام ونجى أفراد؛ حتى جاء ذات نهار، أتت تحاول بكل صخب أن تثبت صوابها لتخذلها الكلمات وتسقط ساخنة على دفتي رحلتي، قالت بلغتها الإنجليزية:

  • هل تعلمين... (في انفعال)
  • أعلم، لا أستطيع أن أتأقلم (ساخرة)
  • لا، لم أرد أن أقول ذلك.. (في تحرج)
  • .....! (بتعابير عدم اكتراث)
  • حسنا، انا أحسدك فأنتِ "غريبة الأطوار" (بقوة)
  • هذه سابقة وجديدة! (ابتسامة، تحد ساخر)
  • اقصد تفكيرك مختلف، تنظرين إلى الأمور من زوايا أخرى، لا نفكر فيها عادة. (تنفست الصعداء)
  • هاا، أصبحت من بلوتو (بنفاذ صبر)

انصرفت عنها في امتعاض، الآن أصبحت غريبة الأطوار ومختلفة، وأين هذا عن معضلة "التأقلم" والاندماج مع المحيط، وكان قرار الصمت، فلست من هواة السهل، إلى أن جاء بعد حين صوت يسأل عن رأي مختلف وهو ينظر إليّ مباشرة أمام العلن بعد أن بدأت اعتاد على تقديمه سرا، لم أرد أن أقول شيئا، حثني الصوت بقول:

  • أنا أحب تفكيركِ فهو مختلف ومميز.
  • .....

إذا عزيزتي وعزيزي من يعانون من مشكلة "التأقلم" لم يولد الإبداع من رحم التشابه، لا بأس أن تكون غريب الفكر فهذه الأفكار تولد عن شجاعة وابتكار وإبداع. تقبلك لذاتك يعطيك المجال لتعرف مكانك على خارطة الحياة الاجتماعية والعملية وأيضا الإنسانية.

ربما بعد حين تجد أنك متصالح مع نفسك لكن نفسك في حالة سعي للبقاء مع الآخر فتعمل على تغيره حسبما يناسبك أو تراه "صوابا" أو تعيش التنازل الذي قد لا ينتهي "وإن كان خطأ" لتناسبه وتبقى معه (الصراع الأزلي بين التنازل والأخذ)؛ تتبع كل السبل من أجل البقاء مع الآخر بشروطه وقبوله أو شروطك وقبولك؛ فليس ثمة من يحتمل العيش وحيدا أو يقتات على علاقات سطحية لا صاحب فيها ولا رفيق.  

نعيش حياتنا، أو هكذا يخال أنها لنا بفردية بيد أن ثمة حيوات أخرى في حياتنا، نمارس أصغر الأحداث وأعظمها معهم، يُضيفون نكهات مختلفة، من تجعيدة مالحة أو حكمة أو ضحكة إلى ألوان زاهية أحيانا وشاحبة أحيانا أخرى. أمور بسيطة لكنها تشعرنا بأهميتنا وتُكمل معالم حياتنا، ووجب ألا تكون داخل قضبان شروط وقوانين محكمة، يكفي فقط الاحترام المتبادل.  

جسر..

أفكار غزيرة لكن تمثيلها بين الكلمات يخلق ضجيجا يوهن المخرجات، ربما أولوياتي تختلف عن أولوياتك فأنا أضع الأهداف الشخصية في مرتبة أعلى من الأهداف العملية وهدف "إيجاد الحكمة" قبلهما، كأن أحتفل (مثلا) بعام "صفر" مخالفات مرورية كهدف شخصي أهم لديّ من الاحتفال بعام "ترقية وظيفية" كهدف عملي.

ربما النجاح هو مصالحة حقيقية مع ذاتك وبناء حوار عميق مع الله كل يوم إلى يوم الحساب.