تسامت "غلا"

سعيد بن محمد البداعي

ناشد أهالي قرية غلا بأهميّة الترويج السياحي للقرية لما تتمتع به من ميزات سياحية والكثير الكثير، فمنذ زمن وبشكل شبه أسبوعي اتردد على "قرية غلا" الواقعة على بعد (10) كيلومترات من شارع السلطان قابوس و(8) كيلومترات من شارع مسقط السريع في الجهة الغربية من ولاية بوشر بمحافظة مسقط، والتي تعد مزاراً سياحياً وتراثياً وبيئياً وتاريخيا، فالهدف الذي يقودني إليها، ما تتمتع به من جمال الطبيعة التي حباها الله عز وجل، وأنعم بها على ساكنيها، حيث تشتهر بعيونها المائية الطبيعية الساخنة، وطرقها الضيقة، ومبانيها ذات الطابع التقليدي، وحفاظها على أصالتها وعاداتها القديمة. لكن السحر الذي شدني إليها، (عين غلا) الدافئة، وبها تطبب وصحة، والتي عُرفت بخصائصها العلاجية وفقاً للعديد من الأبحاث والدراسات التي أجريت على العيون المائية الساخنة بوجه عام.

والغريب أن الكثيرين عند التطرق لأهمية (عين غلا)، لا يعرفون موقعها، والأغرب أنّ البعض منهم من سكان محافظة مسقط، ويسهل الوصول إليها لوجود اللوائح الإرشادية على طول الطريق المؤدي إليها. وهي التي تستقطب زواراً كثرا، يتوافدون عليها من خارج وداخل السلطنة، للتنزه والاستحمام. ويوجد بها طريق تجاري منذ آلاف السنين يربط بوشر بمطرح.

السؤال الذي يقودني إلى طرحه الآن. هل تحتاج قرية (غلا) إلى ترويج سياحي أو لوائح إرشادية ليصل إليها المواطن والمقيم والزائر؟

لقد أمّ الناس القرية منذ 11 من يناير 2020 وأصبحت الطرق تعج بزوارها طوال 24 ساعة يوميا، وصار الوصول إليها فيه نوع من الصعوبة، لكثافة مرتاديها، فالمركبات التي كانت تتعدى السرعة المحددة في طرقها، أصبحت تسير بهدوء تام، وبوتيرة بطيئة أقرب إلى الوقوف، وعلى جنبات مدخلها انتشرت السيّارات التي يبحث سائقها عن مكان مناسب، ليركن مركبته في المساحات الرملية التي كانت شاسعة بالأمس القريب؛ إذ أضحت لا تستوعب الكم الهائل من الزوار، وأعداد البشر المتعلقة قلوبهم قبل أعينهم باتجاه واحد، ليس إلى النِعم الوافرة التي تزدان بها ( قرية غلا)، إنّما إلى مقام سلطان القلوب وميزان الحكمة ورجاحة الرأي، إلى مرقد أب أغدق على شعبه الحب، وطوقهم بأسوار الأمن والاطمئنان، للملك الذي أفنى عمره يقطع الصحاري والقفار، السهول والجبال، البحار والوديان، ببرده وحره، بريحه ومطره، افترش الأرض بلا حصير، واستمع إلى الصغير والكبير، جامعاً قلوب العمانيين بل وقلوب العالم على حبه. فأينما حطّ رحاله أينع بهاءً وجمال وسعادة واستبشارا، لتكون (غلا) محطة رحلته الأخيرة في الدنيا، ليتهافت عشاقه ومحبوه بأجناسهم وجنسياتهم، بمختلف أعمارهم في سجود وركوع، ودعاء وتضرع، إلى العلي القدير، متسمرين محدقين المآقي الذارفة ألما للفراق يلهجون برجاءٍ، للمولى عز وجل أن يوسع منزله ويجعله روضة من رياض الفردوس الأعلى من الجنة، مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

فبشراكم اليوم يا أهالي قرية غلا فقد كانت غلا غالية بطبيعتها وتضاعف وتسامى غلاها بما امتازت به بوجود مقام المغفور له بإذن لله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- فزوّاركم لن ينقطعوا ولن تهدأ شوارعكم من سالكيها فأبشروا خيرًا وافرًا دفاقا كتدفق مياه العيون اليانعة الساخنة من تخوم جبالها وطيب تربتها وزهو نخيلها وجمال طرقها ومبانيها وأصالة أهلها وساكنيها.

وحفظ الله لنا جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم وأيّده بتوفيقه وعنايته ورعايته.

تعليق عبر الفيس بوك