السلطان قابوس.. قائد استثنائي لبلد عريق

 

عفيف أيوب

** سفير لبنان الأسبق لدى سلطنة عُمان (2003 - 2013)

 

يمتد تاريخ سلطنة عُمان العريق لآلاف السنين، ولعبت عُمان دوراً مُهماً لعدة قرون في مسيرة التجارة والتفاعل الإنساني بين الشرق والغرب لوجودها على سواحل بحر العرب والمُحيط الهندي، ويعود تاريخ الحكم المستمر لعائلة آل سعيد إلى العام 1774، وتمتعت عُمان تحت قيادتهم بجميع مواصفات الدولة المستقلة منذ ذلك التاريخ. وامتدّ نفوذ حكام عُمان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وقسم من القرن العشرين إلى غرب آسيا وشرق أفريقيا. وكان الأسطول البحري العُماني مسؤولاً عن تأمين حركة السفن التجارية في بحر عُمان وفي الخليج مروراً بمضيق هرمز وصولاً إلى البصرة في العراق.

وخلال مسيرة خمسين عاماً في الحكم في الفترة 1970-2020، أثبت جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- رحمه الله وأدخله فسيح جناته- أنَّه قائد استثنائي في التاريخ العربي المُعاصر. وأثار خبر وفاته مساء يوم الجمعة الموافق 10 يناير 2020 حزناً عميقاً في سلطنة عُمان والدول العربية والأجنبية. وقد عُرف عن جلالته الحكمة وجرأة الموقف وتعميم أفكار التسامح والوسطية والواقعية السياسية في مقاربة أصعب الملفات الإقليمية والدولية. كما عُرف عنه حرصه على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتشجيع التقارب فيما بينها وحل المشاكل عن طريق التفاوض واضعاً جهوده ومساعيه الحميدة في تصرف الدول لتقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول التي تحفظ الأمن والسلام في المنطقة.

كان السلطان قابوس حريصاً على مصلحة بلده ومستقبل الشعب العماني، وكرّس كل وقته وجهده من أجل رفاه مواطني سلطنة عُمان، كبيرهم وصغيرهم، واضعاً نصب عينيه تحقيق نهضة عُمرانية واقتصادية في السلطنة وفق رؤية مستقبلية تحفظ لعُمان وشعبها المكانة التي يستحقانها بين دول وشعوب المنطقة. وسعى بشكل حثيث لبناء الصداقات مع دول العالم على أسس التعاون والمودة والاحترام المُتبادل.

ورغم أنَّ كميات النفط والغاز في سلطنة عُمان محدودة مقارنة مع دول الخليج الأخرى، إلّا أن جلالة السلطان قابوس- طيَّب الله ثراه- أحسن استخدام وإدارة هذه الموارد الطبيعية في عملية التنمية في السلطنة. فالبنية الأساسية في عُمان، تُعتبر من أفضل ما هو متوفر في العالم، وعملية النمو الحضري تعتمد أفضل المعايير البيئية السليمة، وجميع المقرّات الحكومية تحمل الطابع المعماري التراثي العماني. والنشاط التربوي والتعليمي يسير بخطى ثابتة نحو مستويات متقدمة تُماثل أرقى الدول. وتستثمر عُمان كفاءات ومعارف وخبرات الآلاف من شبابها الذين تخرجوا في جامعة السلطان قابوس وكبريات جامعات العالم في مختلف التخصصات وتُفسح المجال أمامهم للعمل في القطاعات الحكومية والمؤسسات الخاصة. كما أولى جلالة السلطان الراحل عناية خاصة بدور المرأة العُمانية في مسيرة النهضة فأعطاها الفرصة لتكون وزيرة وعضوة في مجلس الدولة ومجلس الشورى وسفيرة وأستاذة جامعية ومديرة عامة وضابطة في الجيش والشرطة.

لقد أرسى جلالة السلطان قابوس- طيَّب الله ثراه- روح الاعتدال والتسامح بين أبناء الشعب العماني. وحرص على أن تكون العلاقة بين الحاكم والمواطن علاقة الأب بأبنائه بما تُمثّل من عاطفة أبوية صادقة يسودها الاحترام المتبادل والتعامل الإنساني الرفيع. وكان يقوم بزيارات دورية إلى مُختلف مناطق السلطنة ليلتقي عن قرب أبناء الشعب العُماني وليستمع مباشرة إلى مطالبهم فيسعى لتلبية رغباتهم وتحقيق طموحاتهم. ويشعر أبناء عُمان أن السلطان قابوس هو مثالهم الأعلى نظراً لحرصه على تحقيق العدالة والإنصاف والتزام احترام القانون.

ومن ميزات سلطنة عُمان أنها تجمع في تركيبتها السكانية جميع المذاهب الإسلامية في أجواء تسامح واحترام لافتين. ويتمثل الجميع في الحكم حسب الكفاءة، ومن دون أن تُخصص المذاهب بأية أفضليات على بعضها البعض في الوظائف والتعيينات الحكومية، ويُسمح للجاليات العربية والأجنبية بممارسة شعائرها الدينية وتخصص لها أماكن للعبادة في أجواء تسامح واحترام للحُريات الشخصية.

ومن سمات السياسة الخارجية في عُمان تحت قيادة السلطان قابوس -رحمه الله-، التركيز على تعزيز علاقات الصداقة مع جميع دول العالم وخصوصاً دول الجوار، وعدم الدخول في نزاعات مع أية دولة واعتماد سياسة الاعتدال والمرونة، والسعي إلى الحلول السلمية عبر التفاوض المباشر دون قيود وشروط، وعدم استخدام القوة إلّا في حالة وحيدة وهي الدفاع عن النفس، وعدم الدخول في محاور القوى وصراعات النفوذ إقليمياً ودولياً، وعدم تهديد مصالح الدول الأخرى والامتناع عن اتخاذ قرارات تثير المخاوف أو تشيع حال ارتباك في العلاقات الدولية، وتقبُّل وتفهُّم مواقف الدول كما هي واحترام ظروفها وخياراتها، والامتناع عن مجاراة دول في مواجهة دول أخرى، بل السعي للتوفيق فيما بينها.

ونظراً لأنَّ سلطان عُمان الجديد حضرة صاحب الجلالة هيثم بن طارق بن تيمور المُعظم- حفظه الله ورعاه- يمتلك سمات الحكمة والرزانة وبُعد النظر التي اتّصف بها السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، فإنَّ من المتوقع أن تواصل سلطنة عُمان النهج الحالي للسياسة الخارجية الحكيمة المعتمدة منذ عقود من الزمن والتي تحتاجها دول المنطقة لمُعالجة تحديات الحاضر والمستقبل.

إنَّ هذا الإنتقال الراقي والحضاري للسلطة في عُمان بكل هدوء وسلاسة وشفافية، يؤكد أنَّ سلطنة عُمان سلطاناً وحكومة وشعباً ستكون دوماً في مُقدمة دول العالم نجاحاً وتطوراً ونماءً وازدهاراً.

تعليق عبر الفيس بوك