ظفار تبكيك إلى كل الوطن

علي بن سالم كفيتان

لقد غادرت وحيدا كما أتيت وحيدًا إلى هذه الدنيا، تحملك أكتاف رجال أحببتهم وأحبوك، وأخلصت لهم فأنصفوك في الوداع الأخير فاصطفوا رافعين بنادقها إلى السماء ليعلم العالم بأنّ موكب السلطان قابوس رحمه الله سيعبر مسقط للمرة الأخيرة هذا النهار.

الموكب الحزين خلى من المرسيدس الزرقاء هذه المرة فعلمنا يقينا أنّك راحل وبأنّ جسدك الطاهر بات محمولا بعناية وحب عظيمين من قبل جحافل تعودت على حضورك الرسمي المهيب.

هم يعلمون أنّ وقفتك في العيد الوطني ٤٩ أمامهم كانت لتوديعهم رغم مرضك وألمك ونصح كل من كانوا حولك فارتديت بزتك العسكرية وقلت عندما أراهم يذهب ألمي، وتهادى الموكب الأخير إلى قاعدة جدك سعيد بن سلطان فوقف الرجال في ميدان الاستعراض الختامي وانتصبت قامتك المحملة بألم المرض ومنحتهم التحية التي يستحقونها وحفظوا لك الأمانة التي عاهدوك عليها.

 في هذا اليوم الحزين تبكيك ظفار بمدنها وجبالها وباديتها بحرقة إلى عمان الأم فسيكتب التاريخ أنّك ولدت في ظفار من أصلاب السلاطين لأم ظفارية كريمة فصارت بيننا صلة رحم فكنت نعم الابن الوفي لرحمه بأن عالجت جراحنا ولملمت شتاتنا ووجدتنا خير من يقف إلى صفك في الشدائد والمحن.

تنعيك سفوح ظفار ووهادها التي لا زالت تحتفظ بآثار أقدامك ونبرات صوتك وتنعيك قوات الفرق الوطنية الباسلة ورجالها الأوفياء المخلصين الذين دحروا الظلم والطغيان معك وتنعيك كل أم ظفارية ترى في نفسها أنّها أم السلطان وتنعيك قمم سمحان والقرا والقمر التي اعتادت على قدومك بكامل هيئتك العسكرية لتكون في الصفوف الأمامية للمعركة.

انعيك أنا ذلك الطفل الصغير الذي مسحت على رأسه في عام ١٩٧٥ بمعسكر فرقة أبو بكر الصديق الشرقية في جبال ظفار فيدك لا زالت على رأسي منذ ٤٥ عامًا لم تفارقني يومًا، أحسست بك عندما قمت بتعديل كمتي وطلبت منّى أن أقوم إلى السبورة المعلقة وسط خيمة المدرسة وأمليتني كلمت (عمان) فكتبتها لك بكل فخر واعتزاز هناك في ذلك الطرف القصي من الوطن وفي ذلك الزمن البعيد لا زلت أعيش فرحتك بأنني كتبتها وأنت من أمليتني.

لم تغب ظفار عن بالك يوما فحتى بعد أن غادرت دنيانا قرنت وصيتك بها فأودعتها نسخة باسم من سيخلفك وهذه لم تكن لفتة للضرورات المكانية فحسب بل دلالة رمزية قوية أنها أغلى العهد التي تركتها للسلطان الجديد.

رحم الله السلطان قابوس بن سعيد وحفظ جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم.