دولة المؤسسات.. إرث قابوس الخالد

الرؤية- أحمد عمر

لم تكن مهمة بناء دولة عصرية حديثة بالأمر الهين أو الخطوة السهلة على القائد الفذ وسلطان عمان الأبرز، جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بل كانت تحديا عظيما، شاهقا مثل جبال عمان الرواسي، هائجا مثل موج البحر في أعاصيره المدارية، غير أن الحكمة القابوسية والرؤية الثاقبة التي تحلى بها جلالته طيلة حياته، كانت الدافع والمرتكز الذي مضى على أسسه السلطان الحكيم في تنفيذ العديد من السياسات والرؤى التي ذللت تلك التحديات، ومهدت الأرض لنهضة شاملة عززت مسيرة التنمية، ووضعت عمان في مصاف الدول المتقدمة.

إن 49 عاما ونيف من المسيرة الظافرة، كانت كفيلة بأن تتحول عُمان من ظلام الفوضى إلى نور دولة المؤسسات والقانون، وشهدت تلك العقود ترسخ أركان الدولة العمانية الحديثة في مسيرة حافلة بالإنجاز والتقدم.

اللبنة الأولى في بناء دولة المؤسسات، كانت فلسفة الإدارة الحكيمة، المرتكزة على مبادئ وقيم عمانية أصيلة، وضعت بنودها الرؤية المتزنة لجلالة السلطان الراحل، وتكاتف الشعب المثابر الداعم لجهود قائده في مسيرة البناء والتحديث.

ملف التنمية بشموليتها واستدامتها، كان أيضا مرتكزا آخر لمسيرة النهضة، وحجر الزاوية الذي على قواعده انطلقت الجهود المخلصة لبناء عمان، الأرض والإنسان.

إن فلسفة الإدارة الحكيمة انقسمت إلى مسارين متوازيين، مواصلة جهود التنمية وبناء مؤسسات الدولة، فتحقق الإنجاز العماني الذي يشار إليه بالبنان، وتهتدي به الأمم والشعوب، كنبراس مضيء يبرهن على عمق التجربة العمانية، أو بالأحرى التجربة القابوسية، التي استحالت أنموذجا يحتذى به، وأسلوب حكم وفلسفة إدارة تُدرس في الجامعات ومؤسسات الفكر والتنمية.

منظومة متكاملة من التنمية الشاملة والمستدامة كانت النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود، والمخرجات الأساسية لتلك المسارات المتوازية التي تعمل بجوار بعضها البعض، ولقد نجحت هذه الفلسفة في تعميق أثر التنمية بنفس كل مواطن ومواطنة، ومن ثم تحلى الجميع بالحرص على منجزات النهضة وصون مكتسباتها.

المؤسسة الوزارية:

كانت مهمة تشكيل مجلس وزراء واحدة من الخطوات الأولى التي اتخذها جلالة السلطان قابوس، فسعى خلال سنوات حكمه أن يختار وزراءه بعناية فائقة، وفق معايير تعتمد على الكفاءة والنزاهة والإخلاص في العمل، والقدرة على خدمة المواطن في كل مكان.

فمن عدد محدود من الوزرات يعد على أصابع اليد الواحدة في عام 1970 إلى نحو 28 وزارة في عام 2019، شهد مجلس الوزراء تطورات عديدة سعت جميعها إلى توفير أفضل خدمة للمواطن، ونشر بساط التنمية في ربوع الوطن.

مؤسسة الشورى:

نهج الشورى العمانية يمثل واحدا من أسس أركان الدولة العمانية الحديثة، وهي المؤسسة التي شهدت تطورات مختلفة، عكست نهج التدرج الذي أرسى دعائمه جلالة السلطان قابوس، وأكدت أن عمان دولة مؤسسات حقيقية.

وكانت البداية مع المرسوم السلطاني رقم 84/81 بإنشاء "المجلس الاستشاري للدولة" الذي مثَّل يومها نقلة نوعية باتجاه فتح المجال لمشاركة شعبية أوسع، حيث بلغ عدد أعضاء المجلس الاستشاري للدولة في فترته الأولى 45 عضوًا منهم 17 يمثلون القطاع الحكومي و28 يمثلون القطاع الأهلي؛ منهم 11 يمثلون القطاع الخاص و17 يمثلون المناطق المختلفة بالسلطنة.

ثم أنشئ مجلس الشورى في 12 نوفمبر 1991 ليحل محل المجلس الاستشاري للدولة الذي استمر من عام 1981م حتى عام 1991م.

وفي عام 1986 صدر المرسوم السلطاني رقم (97/86) في شأن مجلس عمان، بإنشاء مجلس الدولة.

مؤسسة القضاء:

النظام القضائي العماني، واحد من أقدم أنظمة القضاء في العالم، وخلال مسيرة النهضة المباركة شهد مرفق القضاء تطورات عدة، توجت بإصدار قانون السلطة القضائية بالمرسوم السلطاني رقم (90/99) وساهم في تعزيز استقلالية هذه المؤسسة العدلية.

كما تم إنشاء المجلس الأعلى للقضاء مع صدور المرسوم السلطاني رقم (9/2012)، ليكون دعامة رئيسية في مسيرة تطور مؤسسة القضاء.

المؤسسة الأمنية والعسكرية:

الشاهد أن المؤسسة الأمنية والعسكرية في عهد السلطان الراحل، كانت العمود الفقري والعصب المتين الذي على أساسة وقفت الدولة على قدمين راسختين، فشهدت منظومة العمل الشرطي تطورات عديدة، وصلت إلى مستوى متقدم، انعكس في تمتع عمان بأعلى درجات الأمن والأمان. كما كانت قوات السلطان المسلحة الحصن المنيع والدرع الحامي لمنجزات النهضة المباركة، وشهدت هي الأخرى تطورا كبيرا في مختلف الأسلحة والقطاعات.

ختامًا.. نجحت عمان خلال مسيرة حكم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في أن تكون دولة مؤسسات حقيقية، تمضي فيها الإدارة الرشيدة وفق ما تم التخطيط له بعناية فائقة، لكي تبقى عمان أبد الدهر، مرتكزة على هذا الإرث القابوسي الخالد، مواصلة مسيرة نموها ونهضتها، مدعومة في ذلك بسواعد أبنائها الأبرار.

 

تعليق عبر الفيس بوك