الشعر الحميني في اليمن.. موشحات مجهولة "النسب"

 

زهور السعيدي| اليمن

 

يعتبره البعض امتدادًا للموشحات الأندلسية لعذوبة مفرداته وجمال أسلوبه ورقة تصويراته الفنية لكنه وعلى الرغم من مرور مئات السنين على ظهوره لأول مرة في المشهد الثقافي اليمني القديم لايزال الكثيرون حائرون في سبب تسميته والتي أثارت في الماضي وتثير إلى الآن الكثير من الجدل في الوسط الثقافي اليمني.

إنه الشعر "الحميني" أو شعر "الغناء الصنعاني" كما يطلق عليه البعض وهو لون من الأدب العربي الذي يمزج مابين اللغة العربية الفصحى واللهجة العامية الدارجة في تزاوج بديع أنتج سجلا زاخرا بالقصائد والغنائيات العذبة التي صدحت بها ولا تزال حناجر الفنانين اليمنيين والعرب وبقيت مفضلة  لمعظم ممتهني الغناء والطرب محليا وخليجيا.

 

تاريخ حافل

ظلت تسمية هذا اللون من الشعر اليمني الذي ظهر  في القرن السابع الهجري وفقا للباحثة والأديبة اليمنية سارة البردوني بمثابة اللغز الذي أعيا الباحثين وجهابذة الادب في اليمن ووقفوا في حيرة من أمرهم حول أصل تسمية "الحميني" ومنهم على سبيل المثال شاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي اجتهد كثيرا من خلال كتابه الشهير (شعر العامية في اليمن) أن يصل إلى حقيقة أصل هذه التسمية ووضع عدة افتراضات قبل أن يقر بصعوبة الوصول إلى حقيقة قاطعة حول هذا الجدل ومن قبله الشاعر الراحل عبدالله البردوني. قبل أن ينبري باحث ومؤرخ يمني مغمور في الآونة الاخيرة ليؤكد وبعد ما وصفه بالبحث المضني والشاق إلى حقيقة هذه التسمية.

انه الباحث والأديب عبد الجبار باجل نعمان مؤلف كتاب" الشعر الحميني - الريادة والأصول "والذي أكد في حديثه  لـ"الرؤية " بأن ماتوصل اليه بعد بحث دام لعشر سنوات أن أصل تسمية الشعر الحميني يعود إلى قرية صغيرة تسمى "الحمينية " والتي تقع على بعد بضع كيلومترات غربي مدينة حيس بمحافظة الحديدة ويشير إلى أن هذه القرية الصغيرة حاليا كانت حاضرة كبرى في القرن السابع للهجرة  وملتقى أدبيا لكثير من الشعراء البارزين في ذلك الزمن.

 

ويتواصل الجدل

قرية الحمينية التي يؤكد الباحث نعمان بأنها منشأ الشعر الحميني هي الآن عبارة عن قرية متناهية الصغر أغلب منازلها من القش وسعف النخيل وتقع على الطريق ما بين مدينتي "حيس" و"الخوخة" على السواحل الغربية لليمن على بعد نحو مائة كيلومتر جنوبي "الحديدة" بسهل "تهامة" الذي يتميز بلهجة تهامية تبعد كل البعد عن اللغة الدارجة التي دأب شعراء"الحميني" على استخدامها منذ نشاته الأولى وحتى اليوم الأمر الذي جعل ما توصل إليه الباحث نعمان محل شك كبير من قبل الباحثين والأدباء الذين يؤكدون بأن أبرز ما يميز الشعر الحميني هو اللهجة الصنعانية الدارجة والتي لا وجود لها في أوساط المجتمع التهامي قديمه وحديثه؛ لكن الباحث عبد الجبار نعمان يشير بأن رواد الشعر الحميني الأوائل كانوا عبارة عن قضاة ومسئولين تنفيذيين كانوا يقدمون من صنعاء والمحافظات الجبلية إبان الدولة الرسولية في اليمن في القرن السابع الهجري وما تلاه من مراحل ويقومون بإدارة الشئون العامة في منطقة تهامة ومن قرية الحمينية انطلق هذا اللون من الشعر الذي غزا اليمن والمنطقة.

 

 خلاف واتفاق

على الرغم من الإشادة الواسعة والاعتراف الضمني الذي حصل عليه بحث الباحث عبد الجبار نعمان باجل وهو من أبناء مديرية حيس التي تتبعها قرية الحمينية من قبل كثير من الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالشأن الأدبي في اليمن إلا أن الشكوك حول هذه النتيجة لا تزال تساور آخرين كثر والذين يرون بأنها تظل نظرية افتراضية تتحمل التأكيد أو النفي.

وتقول الأديبة سارة البردوني بأن الشعر الذي يعرف بـ" الحميني "في اليمن  يأتي ضمن أربع تسميات مختلفة للشعر العربي أو الشعر الشعبي كما هو متعارف عليه في الوقت الحالي، ما يعرف بالشعر الملحون أو الزجل أو الشعر القومي، أو كما يعرف في نجد بالشعر النبطي وتشير إلى أنه ومهما اختلف الباحثون حول سبب التسمية فإنهم يتفقون على أن الحميني كان ولادة ثانية في تاريخ القصيدة اليمنية، والوجه الآخر للعملة الشعرية حيث أن الوجه الأول من العملة هو الشعر الفصيح وتؤكد بأن هذا اللون من الأدب العربي أعاد  للشعر ما كان قد فقده من تلقائيّة وصِدق شعوري وفنّي - واستطاع شعراء الحميني من خلال التزاوج بين المفردات الفصيحة والعامية أن يكونوا أكثر اتصالاً بالمشاعر دون إسراف أو مبالغة في تصنّع البديع أو افتعاله كما تمكنوا من خلال معايشتهم للناس أن يسايروا تطور الحياة بأسلوب بسيط وقريب إلى قلوب الناس.

تعليق عبر الفيس بوك