"فورين بوليسي": ترامب يلعب بالنار في الشرق الأوسط

ترجمة- رنا عبدالحكيم

وصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكي قتل اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني في غارة أمريكية بالعراق، بأنه لعب بالنار من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.

وبحسب مقال نشرته المجلة بقلم كولن إتش كاهل الذي شغل منصب نائب مساعد الرئيس باراك أوباما ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، من عام 2014 إلى عام 2017، فإنه مع اغتيال سليماني- إضافة إلى عدد من كبار قادة الميليشيات العراقية بالقرب من مطار بغداد- دخلت دورة الضغط والاستفزاز المستمرة منذ أشهر بين واشنطن وطهران مرحلة أكثر خطورة. وأصبح خطر اندلاع حريق في جميع أنحاء المنطقة أعلى من أي وقت مضى. فقبل الضربة الأمريكية بفترة وجيزة، هدد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير باتخاذ إجراء وقائي لحماية القوات الأمريكية، قائلاً "لقد تغيرت اللعبة". لكن هذه ليست لعبة والمخاطر بالنسبة للجانبين هائلة.

ويشعر الأمريكيون الآن أن العقل المدبر للإرهاب قد مات وأن هذا انتصارا للعدالة، لكن لا ينبغي أن يحجب هذا الاحتمال الحقيقي للغاية بأن اغتيال سليماني يمكن أن يثير أحداثاً تخرج عن نطاق السيطرة بطرق تضع المصالح الأمريكية في خطر أعمق.

وبرر كل من ترامب ووزير الخارجية مايك بومبو قتل سليماني باعتباره "ضروريًا" لتفادي هجمات إضافية وشيكة ضد القوات الأمريكية. لكن من الصعب تقييم هذه الادعاءات في غياب إدارة تنشر المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة، في حين أن بيان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" الذي أعلن فيه أن الضربة دفاعية، لم يقل إن أي هجوم من إيران كان وشيكًا. علاوة على ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن ترامب سمح باستهداف سليماني بعد الهجوم الصاروخي في 27 ديسمبر، وأن قوات العمليات الخاصة الأمريكية كانت تنتظر فرصة لإطلاق رصاص نظيف منذ ذلك الحين. وهذا يمكن أن يفسر سبب تنفيذ الضربة حتى بعد انتهاء الحصار المفروض على السفارة الأمريكية ببغداد.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي ومستشاريه يعتقدون أن النظام الإيراني يبدي بعض الحذر في مواجهة عدو أقوى. لكن اغتيال سليماني مختلف. لقد كان عملاً علنيًا ضد ثاني أشهر مسؤول في إيران. وسواء أكانت الولايات المتحدة توافق أم لا، فإن إيران تعتبر ذلك عملاً حربياً. ومن المحتمل أن يرد النظام الإيراني في الوقت والمكان والطريقة التي يختارها، لأن الشيء الوحيد الذي يخشاه أكثر من الصراع مع الولايات المتحدة هو التراجع في مواجهة مثل هذا التحدي المباشر للنظام.

وقد يأتي الانتقام في صور عدة، ويمكن لإيران تسليط الضوء على مجموعات الميليشيات الشيعية لتصعيد الهجمات الصاروخية والألغام بشكل ملحوظ ضد أفراد الولايات المتحدة في العراق، وتنظيم احتجاجات وهجمات إضافية ضد السفارة الأمريكية في بغداد. وقد يستهدف الوكلاء الإيرانيون بضع مئات من القوات الأمريكية التي تحمي حقول النفط في شرق سوريا أو الهجمات المباشرة ضد القوات الأمريكية في أفغانستان. ويمكن لإيران أن تطلق صواريخ باليستية على المنشآت الأمريكية في العراق أو الخليج العربي، أو تكثيف عمليات تخريب الشحن الدولي عبر مضيق هرمز، أو شن هجمات إضافية بالصواريخ أو الطائرات بدون طيار ضد البنية التحتية الحيوية للطاقة في المنطقة، أو تشجيع حزب الله اللبناني أو المسلحين الفلسطينيين على مهاجمة اسرائيل. كما يمكن لطهران تنفيذ هجمات ضد الأمريكيين أو المصالح الأمريكية في المنطقة، كما فعلت في الثمانينات في بيروت، وفي عام 1996 في أبراج الخبر بالمملكة العربية السعودية، أو التخطيط لشن هجوم داخل الولايات المتحدة، كما حاولت القيام به في عام 2011 ضد السفير السعودي في واشنطن. أو يمكن لإيران أن تستخدم قدراتها الإلكترونية المتطورة بشكل متزايد لضرب الولايات المتحدة.

وإذا تسبب الانتقام الإيراني في المزيد من الدماء الأمريكية، فسوف يدفع ذلك بضربات أمريكية مضادة تهدف- على حد تعبير بيان صدر مؤخراً عن البنتاجون- إلى "ردع خطط الهجوم الإيراني المستقبلية". وقد لا يرغب أي من الطرفين في حرب شاملة، لكن لكل تصعيد، تصعيد مضاد سيكون له منطق دفاعي خاص به، ومن الصعب تلمس مخرج آمن من هذه الدوامة المتصاعدة.

وعلى الجبهة النووية أيضًا، من المحتمل أن تكثف إيران استفزازاتها. فعلى مدار العام الماضي، وردًا على انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، استأنفت طهران تدريجياً عناصر برنامجها النووي. ومع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، من المحتمل اتخاذ خطوات أكثر دراماتيكية ، بما في ذلك استئناف مستويات أعلى بكثير من تخصيب اليورانيوم. وبينما تقترب إيران أكثر فأكثر من القدرة على إنتاج الوقود لسلاح نووي- وتتلاشى آفاق الحل الدبلوماسي- سوف يظهر طريق آخر إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل.

وبالنظر إلى هذه المخاطر، تحتاج الإدارة إلى إعلام الشعب الأمريكي باستراتيجيتها وخططها. وتحتاج إلى توفير المعلومات الاستخباراتية التي استخدمتها لتبرير الضربة وشرح كيف ستخفف من المخاطر الكثيرة المنبثقة عنها. وفي إدارة أخرى، ستكون هناك عملية أمنية وطنية متماسكة لضمان سلامة الأفراد العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والاستعداد لعمليات الإجلاء المدني المحتملة، وإعداد البنية التحتية الحيوية في المنطقة وفي الداخل ضد الإرهاب أو الهجمات الإلكترونية التي تدعمها إيران.

وحتى الآن، لم يُظهر ترامب اهتماما لمثل هذه الاحتمالات، ولم تثبت إدارته أبدًا الاستعداد لمثل تلك الخطوات. الآن، وبسبب القرارات المشؤومة التي اتخذها ترامب، تواجه الإدارة إلى حد بعيد اختبارها الأعظم. وبينما تغوص الولايات المتحدة في إعماق مياه مظلمة، يتجلى خطر حقيقي للغاية من أن الإدارة الأمريكية "تبحر عمياء".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة