الركود الاقتصادي

صالح بن ناصر الخروصي

يعد الركود الاقتصادي من أبرز قضايا الساحة هذه الأيام؛ لما يستشرفه بعض الاقتصاديين من احتمال مرور العالم بحالة من الركود الاقتصادي في الأعوام المقبلة، وعلى الرغم من أنني لست بمختص بالاقتصاد وقضاياه، فضلا عن الركود وخباياه، إلا أنني وقفت على تحليل مختصر لريتشارد كوفن على منصة (TEDx) يلخِّص بعض جوانب الركود الاقتصادي، والتي يمكن من خلالها أن نحلل جانبا من هذه الأزمة.

إذ يذكر كوفن أول الأمر أن قضية أسباب الركود الاقتصادي تعد من القضايا التي احتد فيها النقاش على المدى الطويل، فلم يكن ذلك مقتصرا على عصر من العصور، ولعل سبب تجدد النقاش فيه أن ذات الركود هو مسألة متجددة على مر العصور، واختلاف الدهور، فكلما حلت ثار الجدل فيها مجددا، كما أن الركود قد يعم العالم في فترة من الفترات، وفي أخرى قد يحل ببقعة دون أخرى، مما يجعل النقاش فيها مختلفا في الحالة الثانية عن الأولى، ويتجدد فيها السؤال عن الأسباب التي أدت إليه، بل يذكر كوفن أن الركود الاقتصادي قد يصل في بعض الأحيان إلى انهيار اقتصادي وثورة مدنية كما حدث في بريطانيا عام 800 قبل الميلاد حين هبطت قيمة البرونز.

ويرى كوفن أنه من الصعب جدًّا تحديد سبب بعينه للركود الاقتصادي نظرا للقضايا المعقدة التي تحيط به، فضلا عن المتغيرات الكثيرة جدا التي يمكنها أن تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي، لذا كان البدء في بيان أسباب الركود الاقتصادي محتاجا إلى تسليط الضوء بشكل أوسع على الركود الاقتصادي، فيمكن البدء من خلال النظر في العرض والطلب الحاصل في السوق، على اختلاف أنواع السلع، وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى الركود الاقتصادي. فالاضطراب السلبي في التوازن بين العرض والطلب يعد أحد الأسباب المؤدية إلى الركود الاقتصادي، وذلك بأن يتم إساءة الفهم بين مقدار السلع التي يرغب الناس في شرائها، وبين المنتجات والخدمات التي يمكن أن تعرض لهم، وأسعار السلع والخدمات التي يتم عرضها، والتي بدروها تدفع إلى انخفاض الاقتصاد، وهذا يظهر لنا أمرا، وهو أن العلاقة الاقتصادية بين العرض والطلب إنما هي انعكاس لأمرين؛ أولهما: معدل التضخم، وثانيهما: معدل الربح أو الفائدة لدى المصارف.

أمَّا التضخم، فيحدث عندما لا يكون هنالك تكافؤ بين قيمة النقد السعر السلع والخدمات، سواء كان ذلك بارتفاع سعر السلع والخدمات، أو انخفاض القوة الشرائية للنقد، مما ينجم عنه ضعف في الطلب، والذي قد يسبب مشكلات في الاقتصاد ليقود كل ذلك إلى ركود اقتصادي. في حين أن انخفاض معدل التضخم قد يكون عاملا إيجابيا في تشجيع الأنشطة الاقتصادية.

وأما معدل الربح أو الفائدة، فهو يعكس تكلفة أخذ الديون للأفراد والشركات؛ فالمعدل في الربح أو العادة هو نسبة سنوية للدين الذي يقوم المدين بسداده حتى يوفيه. إن انخفاض معدل الربح أو الفائدة يعني أن الشركات يمكنها تحمل أخذ ديون أخرى، ليتمكنوا من خلال ذلك استثمارها في مشاريع أكثر. بينما ارتفاع معدل الربح أو الفائدة يزيد تكلفة المنتجات والمستهلكين، وتبطئ أنشطة الاقتصاد.

إن التقلبات في معدل التضخم والفائدة يمكن أن يكشف الحالة الصحية للاقتصاد، وحين كان الأمر بهذه الأهمية؛ فالسؤال المطروح هنا هو: ما الذي يسبب تقلب معدل التضخم والربح أو الفائدة؟ تعدُّ الأسباب الأكثر وضوحا هي الصدمات، مثل: الكوارث الطبيعية، والحروب، والمصانع الجغرافية السياسية. فالزلازل مثلا يُمكنها أن تدمر البنية الأساسية التي يُحتاج إليها لإنتاج السلع الضرورية مثل النفط، وهذا بدوره يفرض على جانب العرض في الاقتصاد أخذ قدر أكبر من المال على المنتجات التي تستخدم النفط، ويثبط الطلب، ويدفع إلى الركود الاقتصادي.

وعلى الرغم من كل ما تقدم حول أثر التضخم والربح أو الفائدة على الركود الاقتصادي؛ فقد يحدث الركود في أوقات لا يتوقع فيها ذلك، فبعض الاقتصاديين يرون أن الأنشطة الاقتصادية التي فيها توسع في الأسواق يمكنها بين حين وآخر أن تبلغ مستوى لا يمكن تحمله ليؤدي ذلك إلى الركود؛ فالشركات والمستهلكون مثلا قد يطلبون تسهيلات مالية أكثر، متوقعين أن نمو الاقتصاد سيساعدهم على معالجة العبء المضاف إليهم جراء توسعهم في الأسواق، ولكن إذا لم ينمُ الاقتصاد سريعا حسب المتوقع فقد ينتهي الأمر بهؤلاء إلى ديون أكثر من التي يمكنهم إدارتها، ليكون عليهم سداد تلك الديون من خلال إعادة توجيه أموال الأنشطة الأخرى إليها، مقللين من الأنشطة التجارية.

كما أنَّ العوامل النفسية يُمكن أن تُسهم في الركود؛ فالخوف من الركود يمكن أن يكون سببا بحد ذاته إن أدى إلى أن يسحب الناس استثماراتهم وإنفاقهم. وكرد فعل على ذلك قد يخفض المنتجون تكاليف التشغيل للمساعدة في مواجهة توقعات انخفاض الطلب، وهذا قد يقود إلى حلقة مفرغة بخفض التكاليف والذي ينتهي بأجور أقل فيقود إلى طلب أقل.

بل حتى رسم السياسات يُمكن أن يسهم في منع الركود؛ فعندما تكون الأوقات صعبة، قد تصدر الحكومات والبنوك المركزية أوراقا نقدية، وتزيد من الإنفاق، وتقلل البنوك المركزية من معدلات الفائدة، وذلك على نحو فعال يجعل الديون أرخص لدفع عجلة الإنفاق، ولكن هذه السياسات ليست دائمة، بل في نهايتها هي بحاجة إلى أن يتم عكسها، منعا من التضخم المفرط، وهذا قد يسبب ركودا إذا تكتل الناس كثيرا على الديون ذات معدلات ربح أو فائدة منخفضة وتحفيز الحكومات.

تعليق عبر الفيس بوك