فساد الصغار

 

فاطمة الحارثي

 

يُنسب الفساد الإداري دائمًا إلى المسؤولين، علمًا بأنَّ الفساد لا يحصل أو يتشكل فرديا أو بالإكراه، أي لابد من مُخطط وفاعل وأحيانًا "غاض بصر" قد تكون مجموعة صغيرة وأحياناً منظمة، والبعض يُحب أن يُدرج الفساد تحت تصنيف وعناوين مختلفة من أجل إيجاد مبررات وقياس استجابة الآخرين في تحوير الوقع والوقائع.    

"الوصول إلى الحقيقة يتطلب إزالة العوائق التي تعترض المعرفة، ومن أهم هذه العوائق رواسب الجهل، وسيطرة العادة، والتبجيل المُفرط لمفكري الماضي". روجر باكون فساد الصغار يُثير شهية الكبار ويُكمل الدائرة التي يصعب كسرها واقع وجب إدراكه، تتجه أصابع الاتهام في عمليات الفساد إلى كبار المسؤولين والموظفين في أية مؤسسة أو شركة أو حتى على مستوى الحكومات، والعذر الغالب أنهم أصحاب القرار والسلطة لذلك هم من (لديهم القدرة على خرق القوانين والتجاوز)، إذا لابد من معاونين ومجموعة تجسد تكامل أي فساد سواء كان أخلاقيا أم مالياً أم إرهابياً.

 

إنَّ التطرق إلى أسباب الفساد يحتاج إلى مجلدات لكن لنا أن نختزل الأمر بين ثنايا "الشهوات"، لكن لماذا قد تأتي الأسباب وتعلو عن المبادئ والأخلاق رغم أنَّ طريق الفساد حقيقة ليس سهلاً ولا يسيرًا على ذات الإنسان، لأسباب منها واعز ضمير أو فكر أو حتى سهولة الاختباء أو التواري عن فعله. إذاً ومن يستطيع أن يُلبي "شهوات" كبار المسؤولين غير صغارهم ربما تزلفاً أو طمعًا من أجل مُقابل مادي أو نفوذ أو سلطة. ربما يخال البعض أنَّ فساد الكبار أتى من تبجيل الناس لمقاعدهم ومن من أجل البقاء على كراسي المسؤولية والسلطة والصغار من أجل الأكل والنهم. في حقيقة الأمر أنه حتى إبليس رده واضح في مسألة فساد الإنسان فهو لم يُجبر أحداً على شيء فقط أغواه ودعاه وهو استجاب لقوله وقام بالأمر أي ربما هناك هوان أخلاقي في الأمر وربما هناك ميزان في ذات كل إنسان يحتاج أن يُفعله.

قرأت يومًا أنَّ الأشياء التي سعيت لها اليوم هي الأمور التي ستُقال عنك غدًا سواء كنت على الأرض أم تحتها. كذلك الفساد يحتاج إلى سعي واجتهاد فهو لايأتي عن فراغ أو دون هدف، وأول بوادر ذلك الشللية وفرق الضغط والتحريض، استغلال الأخطاء البسيطة وحاجة البعض لن أقول الحاجة هي عذر أو أمر مقبول لكن حتى بعض المسؤولين قد يتم إخضاعهم لأخطاء بسيطة أو خوفاً من التشهير باختصار هي كلها ذرائع من أجل إخراس أو طمس الضمير ولإسكات سياط الذات إن وجدت.   

 المُثير للدهشة أنَّ الفكر "الرعوي" يتفاعل أيضاً والفساد، فما أتى سهلاً بسيطاً لا يجد قيمة حقيقية للحفاظ عليه ولا يجد مثمنين له، في مقابل أنَّ من اجتهد من أجل البناء أدرك صعوبة الأمر فيعمل على الحفاظ عليه وأيضاً يُجنب الآخرين مُعاناة ومخاطر البناء والطريق الوعرة في مسألة الوجود والاستقرار.

رسالة

"سبيل الله واضح، ولا يجوز أن يُخالطه غضب أو كبرياء" نجيب محفوظ، نعم كلنا نخطئ وكلنا معرضون لإرهاصات بشريتنا وإنسانيتنا بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الوضع الاجتماعي فنحن كتلة من الكيمياء التي لا مناص من محاربة تفاعلاتها وإيجاد التوزان بين معادلاته.

 

فاطمة الحارثي